تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفراً كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم، ولا يرى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل، كما قال السلف من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: أن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة، والزكاة، واستحل الخمر، والزنا وتأول. فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأول المخطىء في تلك لا يحكم بكفره، إلا بعد البيان له واستتابته - كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر - ففي غير ذلك أولى وأحرى، وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح. في الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين" وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرقوه، وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع.

فإن قيل: فالله قد أمر بجهاد الكفار والمنافقين في آيتين من القرآن فإذا كان المنافق تجري عليه أحكام الإسلام في الظاهر، فكيف يمكن مجاهدته.

قيل ما يستقر في القلب من إيمان ونفاق، لابد أن يظهر موجبه في القول والعمل، كما قال بعض السلف: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وقد قال تعالى في حق المنافقين:?ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفهم في لحن القول?. فإذا أظهر المنافق من ترك الواجبات، وفعل المحرمات ما يستحق عليه العقوبة، عوقب على الظاهر، ولا يعاقب على ما يعلم من باطنه، بلا حجة ظاهرة، ولهذا كان النبي يعلم من المنافقين، من عرفه الله بهم، وكانوا يحلفون له وهم كاذبون، وكان يقبل علانيتهم، وبكل سرائرهم إلى الله.

وأساس النفاق الذي بني عليه وأن المنافق لابد أن تختلف سريرته وعلانيته وظاهره وباطنه، ولهذا يصفهم الله في كتابه بالكذب كما يصف المؤمنين بالصدق، قال تعالى:?ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون?. وقال:?والله يشهد إن المنافقين لكاذبون?. وأمثال هذا كثير. وقال تعالى:?إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون? وقال:?ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب - إلى قوله - أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون?.

و" بالجملة" فأصل هذه المسائل أن تعلم أن الكفر " نوعان ": كفر ظاهر، وكفر نفاق، فإذا تكلم في أحكام الآخرة، كان حكم المنافق حكم الكفار، وأما في أحكام الدنيا، فقد تجري على المنافق أحكام المسلمين.

وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة و يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد.

ومن قال: بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له، أو جزءاً منه، فهذا نزاع لفظي، كان مخطئاً خطئاً بيناً، وهذه بدعة الإرجاء، التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها.

ترك العمل كفر:

نقل شيخ الإسلام في كتابه الإيمان كلاماً لأبي طالب المكي يقول فيه:

قال: وقد قال قائلون: إن الإيمان هو الإسلام، وهذا قد أذهب التفاوت والمقامات، وهذا يقرب من مذهب المرجئة، وقال آخرون: إن الإسلام غير الإيمان وهؤلاء قد أدخلوا التضاد والتغاير، وهذا قريب من قول الإباضية، فهذه مسألة مشكلة تحتاج إلى شرح وتفصيل، فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم، فشهادة الرسول غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيء واحد، كذلك الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، إذ لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير