وقد قال:?إن المجرمين في ضلال وسعر، يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر? وقال تعالى:?إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون? (المطففين: 29) فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
الدليل الثالث: قوله تعالى:?وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون? (النور: 56)
فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور، فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة، والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها.
الدليل الرابع: قوله تعالى?فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون? (الماعون:4) وقد اختلف السلف في معنى السهو عنها. فقال سعد بن أبي وقاص ومسروق بن الأجدع وغيرهما: هو تركها حتى يخرج وقتها، وروى في ذلك حديث مرفوع، قال محمد بن نصر المروزي: حدثنا عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن?الذين هم عن صلاتهم ساهون? قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها.
وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قول الله?الذين هم عن صلاتهم ساهون? أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذاك، ولكنه إضاعة الوقت. وقال حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخر أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله?الذين هم عن صلاتهم ساهون?، قال: هو تاركها، ثم سأله عن?الماعون?، قال: منع المال من حقه.
إذا عرف هذا فالوعيد بالويل اطرد في القرآن للكفار كقوله?وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هو كافرون? (يوسف:37) وقوله?ويل لكل أفاك أثيم، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها?- إلى قوله -?ولهم عذاب مهين? (الجاثية:7) وقوله?وويل للكافرين من عذاب شديد? (إبراهيم:2) إلا في موضعين وهما?ويل للمطففين? (المطففين:1) و?ويل لكل همزة لمزة? (الهمزة:1) فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز، وهذا لا يكفر به بمجرده، فويل تارك الصلاة إما أن يكون ملحقاً بويل الكفار أو بويل الفساق، فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين:
أحدهما: أنه قد صح عن سعد ابن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال: لو تركوها لكانوا كفاراً ولكن ضيعوا وقتها.
الثاني: ما سنذكره من الأدلة على كفره.
يوضحه الدليل الخامس وهو: قوله سبحانه?فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً? (مريم:59)، قال شعبة بن الحجاج حدثنا أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبدالله - هو ابن مسعود - في هذه الآية قال: هو نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر.
قال محمد بن نصر: حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا محمد بن زياد بن زبار حدثني شرقي بن القطامي قال حدثني لقمان بن عامر الخزاعي قال: جئت أبا أمامة الباهلي فقلت حدثني حديثاً سمعته من رسول الله، فقال: سمعت من رسول الله يقول: [لو أن صخرة زنة عشرة عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً ثم تنتهي إلى غي وأثام] قلت: وما غي وأثام؟ قال [بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم]. فهذا الذي ذكره الله في كتابه?فسوف يلقون غيا? و?آثاما?.
قال محمد بن نصر: حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا عبدالله بن المبارك أخبرنا هشيم بن بشير قال أخبرني زكريا بن أبي مريم الخزاعي قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة خمسين خريفاً من حجر يهوى - أو قال صخرة تهوى - عظمها كعشر عشراوات عظام سمان. فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد: هل تحت ذلك من شيء يا أبا أمامة؟ قال: نعم، غي وأثام. وقال أيوب بن بشير عن شفى بن ماتع قال: إن في جهنم وادياً يسمى غياً يسيل دماً وقيحاً فهو لمن خلق له، قال تعالى:?فسوف يلقون غيا? فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات، ولو كان مع العصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو أسفلها، فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام بل من أمكنة الكفار. ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى?فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً? فلو كان مضيع الصلاة مؤمناً لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصلاً للحاصل.
¥