تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيماناً لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمداً رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين، وقد قال تعالى:?فإنهم لا يكذبونك?أي يعتقدون أنك صادق?ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون? (الأنعام:33) والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق، قال تعالى?وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً? (النمل:14) وقال موسى لفرعون?لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر? (الإسراء:102)، وقال تعالى عن اليهود?يعرفون كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون? (البقرة:146).

وأبلغ من هذا قول النفرين اليهودين لما جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا: نشهد أنك نبي، فقال: [ما يمنعكما من اتباعي]؟ قالا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم إقراراً مطابقاً لمعتقدهم أنه نبي، ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان، لأنهم لم يلتزموا طاعته والانقياد لأمره، ومن هذا كفر أبي طالب فإنه عرف حقيقة المعرفة أنه صادق وأقر بذلك بلسانه وصرح به في شعره ولم يدخل بذلك في الإسلام، فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما اعتقاد الصدق، والثاني محبة القلب وانقياده ولهذا قال تعالى لإبراهيم:?يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا? وإبراهيم كان معتقداً لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقاً لها بعد أن فعل ما أمر به وكذلك قوله: [والفرج يصدق ذلك أو يكذبه] فجعل التصديق عمل الفرج ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل. وقال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

وقد روى هذا مرفوعاً، والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة. الوعد على فعلها والوعيد على تركها. وبالله التوفيق.

فصل

وأما الاستدلال بالسنة على ذلك فمن وجوه:

الدليل الأول: ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة] (رواه أهل السنن وصححه الترمذي).

الدليل الثاني: ما رواه بريدة بن الحصيب الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر] (رواه الإمام أحمد وأهل السنن). وقال الترمذي حديث صحيح إسناده على شرط مسلم.

الدليل الثالث: ما رواه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: [بين العبد وبين الكفر والإيمان: الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك] (رواه هبة الله الطبري وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم).

الدليل الرابع: ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: [من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف] (رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه) وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة. وفيه نكتة بديعة وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمن شغله عنها رياسة وزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.

الدليل الخامس: ما رواه عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً. فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة]. (رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في سننه).

الدليل السادس: ما رواه معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله] (رواه الإمام أحمد). ولو كان باقياً على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام.

الدليل السابع: ما رواه أبو الدرداء قال أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا أترك الصلاة متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة. (رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير