كافر على الإطلاق، وكذا يقال لمن ارتكب محرماً إنه فعل فسوقاً إنه فسق بذلك المحرم، ولا يلزمه اسم فاسق إلا بغلبة ذلك عليه. وهكذا الزاني والسارق والشارب والمنتهب لا يسمى مؤمناً وإن كان معه إيمان، كما أنه لا يسمى كافراً إن كان ما أتى به من خصال الكفر وشعبه. إذ المعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان.
والمقصود أن سلب الإيمان عن تارك الصلاة أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر، وسلب اسم الإسلام عنه أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يسمى تارك الصلاة مسلماً ولا مؤمناً وإن كان معه شعبة من شعب الإسلام والإيمان نعم، يبقى أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تنفع الصلاة من صلاها عمداً بغير وضوء. فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه، وقد لا يكون كذلك.
فيبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة.
والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه، ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها وإن أتى بها صورة. وقد أشار إلى هذا في قوله: [فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع]، وفي قوله [إن أول ما ينظر في أعماله الصلاة فإن جازت له نظر في سائر أعماله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من أعماله بعد]. ومن العجب أن يقع الشك في الكفر من أصر على تركها ودعا إلى فعلها على رؤوس الملأ - وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويشد للقتل وعصبت عيناه - وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبداً.
ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول: هذا مؤمن مسلم يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين. وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان. إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة، والله الموفق.
فصل في سياق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم – في كفر تارك الصلاة، ومن حكى الإجماع على ذلك:
قال محمد بن نصر: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه. وحكى محمد عن بن المبارك قال: من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمداً من غير عذر فقد كفر وقال على بن الحسن بن شقيق سمعت عبد الله بن المبارك يقول: من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو أكفر من الحمار. وقال يحيى بن معين: قيل لعبد الله بن المبارك إن هؤلاء يقولون: من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان. فقال عبد الله: لا نقول نحن كما يقول هؤلاء، من ترك الصلاة متعمداً من غير علة حتى أدخل وقتاً في وقت فهو كافر.
وقال ابن أبي شيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [من ترك الصلاة فقد كفر] فيقال له ارجع عن الكفر، فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام.
قال أحمد بن سيار: سمعت صدقة بن الفضل - وسئل عن تارك الصلاة - فقال: كافر.
فقال له السائل: أتبين منه أمراته؟ فقال صدقة: وأين الكفر من الطلاق، لو أن رجلاً كفر ولم تطلق من امرأته.
قال أبو عبد الله بن نصر: سمعت إسحاق يقول: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر.
وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
فصل
وأما [المسألة الرابعة] وهو قوله: هل تحبط الأعمال بترك الصلاة أم لا؟ فقد عرف جوابها مما تقدم. وإنا نفرد هذه المسألة بالكلام عليها بخصوصيتها فنقول: أما تركها بالكلية فإنه لا يقبل معه عمل كما لا يقبل مع الشرك عمل، فإن الصلاة عمود الإسلام - كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم - وسائر الشرائع كالأطناب والأوتاد ونحوها، وإذا لم يكن للفسطاط عمود لم ينتفع بشيء من أجزائه، فقبول سائر الأعمال موقوف على قبول الصلاة، فإذا ردت عليه سائر الأعمال، وقد تقدم الدليل على ذلك.
وأما تركها أحياناً فقد روى البخاري في صحيحه من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [بكروا بصلاة العصر، فإن من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله].
¥