فأما الكتاب فإنه وصف الإيمان لم يكتبه الله إلا لمن شهد بلسانه واعتقد بقلبه وعمل بجوارحه. كقوله سبحانه وتعالى:?إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أؤلئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم?.
وقوله تعالى:?إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أؤلئك هم الصادقون?.
وقوله تعالى:?آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير?.
ونفى الله سبحانه الإيمان عمن شهد بلسانه ولم يؤمن قلبه. قال جل وعلا:?يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أؤلئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم?.
وقوله تعالى:?ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون?.
ونفى الإيمان عن تارك العمل في آيات كثيرة: كما قال تعالى:?يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون?. والحوالة: هي جعل حاجز بين القلب والإيمان عند التولي.
وقرن الله دائما بين الإيمان والعمل الصالح، وجعل هذا شرطاً للنجاة. وجعل سبحانه من لا يكسب في إيمانه خيراً كالكافر في عدم قبوله توبته عند ظهور آياته قال تعالى:?يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون?.
واستدلوا من القرآن على أن الكفر يقع بالعمل ولو لم يكن معه اعتقاد بقوله تعالى:?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?. وبقوله تعالى:?من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين?.
وأما السنة فاستدلوا بالأحاديث المستفيضة التي تثبت أن الإيمان شهادة واعتقاد وعمل، كقوله ?: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: [بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة].
وفسروا ما جاء في السنة من الأحاديث مما قد يدل بظاهره أن الجنة يدخلها من قال لا إله إلا الله بلسانه مصدقاً بها في قلبه فقط، بأن من يقول لا إله إلا خالصاً من قلبه، لا بد وأن يكون عاملاً بها. ولا يتصور أن يكون مؤمن يقول لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ويمتنع عن عمل الإيمان كله - الذي فرضه الله- بغير عذر.
وما جاء فيها يوهم أن من جاء يوم القيامة وليس معه إلا شهادة ألا إله إلا الله، أنها لا تضره ذنوبه وإن كان له سبعون سجلاً من الذنوب كل سجل مد بصره، أن مغفرة ذنب عبد من العباد راجع إلى الله سبحانه وتعالى، وقد أخبر جل وعلا أنه لا يغفر الشرك، ويغفر ما دونه لمن يشاء، وله الحكمة فيما يفعل سبحانه وتعالى وهو العزيز الحكيم.
واستدلوا على كفر من عمل مكفراً بالأحاديث الكثيرة التي جاء فيها أن النبي ? حكم بالكفر والردة على من عمل مكفراً كقتله من تزوج امرأة أبيه، وتخميس ماله .. الخ
وأما الإجماع، فقد أجمع الصحابة على كفر تارك الصلاة كفراً ينقل عن ملة الإسلام وأجمعوا على قتال ما نعي الزكاة، وقاتلوهم قتال المرتدين الكفار فغنموا أموالهم ونساءهم، وأجمعوا أن تارك العمل كله كافر، وأن الإيمان قول واعتقاد وعمل.
¥