ـ[العوضي]ــــــــ[14 - 09 - 03, 01:54 م]ـ
31 - ودعْ عَنْكَ آراءَ الرجالِ وقَوْلَهُمْ --- فقولُ رسولِ اللهِ أزكَى وأَشْرحُ
(ودع) أي: اترك , و احذر, واجتنب.
(آراء الرجال وقولهم) أي لا تبن دينك وعقيدتك على الآراء المتلفة والأقوال المحدثة بل ابنها على الكتاب و السنة ففيهما السلامة والعصمة , وقد جاء عن السلف رحمه الله نقول كثيرة في التحذير من الآراء و ذم الرأي و أهله , من لك قول عمرـ رضي الله عنه ـ (إياكم و أصحاب الرأي , فانهم أعداء الدين , أعيتهم السنة أن يحفظوها فاعملوا عقولهم) (1)
وقال علي ـ رضي الله عنه ـ (لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من مسح ظاهره) (2)
والمراد بالرأي هنا أي الرأي المذموم القائم علي الحدس والظن والعقل والمجرد مع التعطيل النصوص وإهمالها والصدود عنها الإعراض , وهو الرأي الذي أحدثت به البدع , وأنشأت به الضلالات , وعطلت به الأسماء والصفات , فمثل هذه الآراء العاطلة والتقريرات الباطنة لا ينبغي لمسلم أن يرعيها باله , بل الواجب أن تطرح وان يحذر منها وان لا يغتر بتزين أهل الباطل لها.
يقول الأوزاعي رحمه الله (عليك بالأثر وان رفضك الناس وإياك و آراء الرجال وان زخرفوه لك بالقول , فان الأمر ينجلي وأنت علي طريق مستقيم).
قوله (آراء الرجال) ذكر الرجال هنا لا مفهوم له , فالرأي الباطل مذموم سواء كان من الرجال أو النساء , ولكن ذكر الرجال , لأنهم أصحاب الرأي في الغالب.
(فقول رسول الله) أي الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
(أزكى) أي: اطهر و أنقى واخلص , وفي بعض النسخ (أولى) أي: بالأخذ والتقدم.
(واشرح) أي للصدر والفؤاد والقلب وادعي للطمأنينة. والناس يوم القيامة لا يسألون إلا عن ذلك كما قال تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (القصص65) فلا يسألون عن آراء الرجال وأقوالهم و إنما يسألون عما جاءتهم به رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه.
وإلى اللقاء في البيت الثاني والثلاثون إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــ
1 - الدارقطني في سننه برقم 12
2 - أبوداود برقم 16 , وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم 162
ـ[العوضي]ــــــــ[17 - 09 - 03, 10:53 م]ـ
32 - ولا تَكُ مِن قوْمٍ تلهوْا بدينِهِمْ --- فَتَطْعَنَ في أهلِ الحَديثِ ii وتقدحُ
قوله (ولاتك من قوم ... ) الخ
هذا البيت في غاية التناسق مع الذي قبله حيث أشاد النظم في البيت الأول ضمنا بحملة السنة ونقله الحديث من الصحابة والتابعين و من بعدهم فهؤلاء هم خير الناس و أفضلهم , فليس عندهم آراء منطقية ولا فلسفات عقلية ولا أقوال متكلفة , إنما الذي عندهم تمسك بالنصوص والتزام السنة النبوية , ثم حذر في هذا البيت من طريق أهل اللهو الباطل الذين يطعنون في هذا الأئمة والأفذاذ العلماء والأمجاد فقال:
(ولا تك) أي احذر أن تكون يا صاحب السنة ويا من هداك الله إلى لزم هدي خير الأمة.
(من قوم تلهوا بدينهم) أي ممن اتخذوا دينهم لهوا ولعبا. وهذا شامل لأهل البد ع والأهواء
و أهل الفسق والفجور , فان الجميع يشتركون في ذلك بين مقل و مستكثر بسبب جهلهم بالسنة , ومن جهل شيئا عاداه.
(فتطعن في أهل الحديث وتقدح) وهذه نتيجة اتخاذ الدين لهوا ولعبا: السخرية بأهل الحق والتهكم بالمتمسكين بالسنة والواقعية في أهل الخير والفضل والنبل , وهذه هي حيلة المفاليس في كل زمان واوان.
قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) (المطففين 29 - 31).
ولو كان القوم أهل حق وحجة لنافحوا عنه بالبرهان ولقابلوا الحجة بالحجة والدليل بالدليل,
ولكن لا حيلة لعاطل المفلس إلا التهكم والسخرية والاستهزاء , ومن علامات أهل الأهواء والبدع الوقيعة في أهل الحديث والأثر. وهذا من اعظم العقوق واشد اللوم , إذ أهل الحديث لم يأت منهم إلا الأيادي البيضاء والجميل والإحسان.
قال بعض أهل العلم في بيان أهل الحديث وبيان بعض مآثرهم ومناقبهم.
جزى الله أصحاب الحديث مثوبة ... وبواهم في الخلد أعلى المنازل
فلولا اعتناهم بالحديث وحفظه ... ونفيهم عنه ضروب الأباطل
و إنفاقهم اعمارهم في طلابه ... وبحبهم عنه بجد مواصل
لما كان يدري من غدا متفقها ... صحيح حديث من سقيم وباطل
ولم يستبن ما كان في الذكر مجملا ... ولم ندري فرضا من عموم النوافل
لقد بذلوا فيه نفوسا نفيسة ... وباعوا بالحظ اجل كل عاجل
فحبهم فرض على كل مسلم وليس يعاديهم سوى كل جاهل
نسأل الله أن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء, وان يرفع درجاتهم في عليين , وان يجعل لهم لسان صدق في الآخرين , وان يغفر لنا ولهم أجمعين.
وإلى اللقاء في البيت الثالث والثلاثون والأخير
¥