هذا إن ثبت , وثبوته محل نظر كما تقدم , وقد شكك الحافظ الذهبي في ثبوت هذا , وأشار إلى بعض المحامل التي يمكن أن يُحمل عليها إن صح.
قال رحمه الله في تذكرة الحفاظ (أما قول أبيه فيه فالظاهر أنه إن صح عنه فقد عنى أنه كذاب في كلامه لا في الحديث النبوي , وكأنه قال هذا وعبدالله شاب طري ثم كبر وساد) (11)
قال في سير أعلام البنلاء (قلت: لعل قول أبيه فيه إن صح أراد الكذب في لهجته لا في الحديث فإنه حجة فيما ينقله , أو كان يذكب ويُوُري في كلامه , ومن زعم أنه لا يكذب أبداً فهو أرعن. نسأل الله السلامة من عثرة الشباب , ثم إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى) (12).
وذكره رحمه الله في كتباه الميزان قال (إنما ذكرته لأنزهه) (13)
وخلاصة القول أنه نسبة هذا إليه محل نظر بل ليس عليه مسند صحيح , وإن ثبت فهو محمول على أمور لعلها كانت منه كانت في مرحلة الشباب في حديثه وكلامه الخاص , لا فيما يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شأنه أجل وقدره أنبل من ذلك. بل هو معدود عند أهل العلم في كبار الحفاظ ومن الأئمة العدول الثقات. فمن حاول لمزه بهذا فإنه يُزري على نفسه , لا سيما إن كان مبنيا على الهوى والشنآن والباطل , وقد مر معنا قوله رحمه الله في منظومته السنية:
ولا تكُ من قومٍ تلهوا بدينهم ... فتطعن في أهل الحديث وتقدح
ثانيا: نُسب إليه رحمه الله شيءٌُ من النصب
والمراد بالنصاب أي: نصب العداء لآل النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يثبت عنه رحمه الله شيءٌ من ذلك , بل ثبت عنه ضد ذلك ونقيضه , وهو ولاء آل البيت ومحبتهم والثناء عليهم وذكر فضائلهم ومآثرهم. بل لم يتحقق في ترجتمه من الذي نسبه إلى النصب وما حجته على ذلك , إلا أن هذه التهمة أُلتصقت به في حياته رحمه الله وبرأ نفسه منها ولم يجعل من رماه به في حل.
قال أحمد بن يوسف بن الأزرق (سمعت أبا بكر ابن أبي داود غير مرةٍ يقول: كل من بيني وبينه شيء أو قال: كل من ذكرني بشيء فهو في حِل إلا من رماني ببغض علي بن أبي طالب) (14)
وخير شاهد ودليل على سلامته من هذه التهمة قصيدته هذه التي بين أيدينا , والتي أن فيها عقيدة أهل السنة والجماعة , فقد قال بعد أن ذكر الخلفاء الثلاثة:
ورابعهم خير البرية بعدهم ... علي حليف الخير بالخير منجح
وقد جاء عنه أنه قال في تمام هذه القصدية (هذا قولي , وقول أبي , وقول أحمد بن حنبل رجمه الله , وقول من أدركنا من أهل العلم , وقول من لم ندرك من أهل العلم مِمن بلغنا قوله , فمن قال عليًّ غري ذلك فقد كذب).
وعلى كلٍّ فقد أطبق العلماء على إمامة ابن أبي داود وفضله وتوثيقه والاحتجاج به وعده من أئمة السلف الأجلاء ومن العلماء الثقات النبلاء , فلم يبق أي معنى للطعن فيه أو التقليل من شأنه وقدره ونبله , وللإمام المعملي رحمه الله كلام نفيس وتحقيق متين في تبرئة ابن أبي داود مما نُسب إليه من النصب وغيره , أجاد فيه وأفاد , وأحسن الدفاع عن هذا الإمام الجليل والذب عنه (15) , فجزاه الله خيراً على نصحه ودفاعه عنه وعن غيره من أئمة المسلمين , ورحم الله ابن أبي داود وغفر له ولجميع علماء المسلمين وللمسلمين والمسلمات والمؤنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنه هو الغفور الرحيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وألقاكم إن شاء الله في شرح جديد لكتاب مفيد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــــــ
1 - سير أعلام النبلاء 13/ 223 , والعلو 2/ 1220
2 - الشريعة 5/ 2563
3 - -طبقات الحنابلة 2/ 53
4 - الحدائق الغناء ص176
5 - انظر الكتاب اللطيف لشرح مذهب أهل السنة ص255
6 - لوائح الأنوار السنية 2/ 105
7 - الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 265 - 266
8 - التنكيل للمعمي 1/ 298
9 - أي لولا شرطه في كتابه من أن يذكر كل من تكلم فيه وإن كان الكلام غير قادح
10 - الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 266
11 - تذكرة الحافظ 2/ 772
12 - سير أعلام النبلاء 13/ 231
13 - ميزان الاعتدال 4/ 116
14 - تاريخ بغداد 9/ 468
15 - انظر: التنكل للمعلمي 1/ 297 - 305
ـ[البخاري]ــــــــ[07 - 12 - 03, 12:57 ص]ـ
بارك اللة فيكم اخي الفاضل
ـ[أحمد دبوس]ــــــــ[08 - 12 - 03, 11:32 م]ـ
جزيت خيرا أخي الكريم ولا تنسانا بموضوعاتك المهمة
ـ[ابن عبد البر]ــــــــ[11 - 12 - 03, 11:16 م]ـ
أسأل الله الكريم ..
أن يوفقنا وإياك للعلم النافع والعمل الصالح ..
عمل وترتيب موفق أخي العوضي. تحية طيبة خالصة لك.
ـ[المازري المالكي]ــــــــ[12 - 12 - 03, 01:35 ص]ـ
سؤال للإخوة الكرام:
أليس هذا أبو بكر بن أبي داوود الذي قال فيه أبوه الحافظ أبو داوود السجستاني: أبني هذا كذاب كذاب.
وكذبه الأصبهاني.
ورمي بالنصب ممن رماه به الحافظ ابن جرير.
إذا كان ذلك صحيح أليس من الأكمل أن يعتنى بما صح من العقيدة وما سلم صاحبها من الطعن.
والسلام
¥