جهاده: يقول عنه الشيخ عبد الرحمن الوكيل: «لقد ظل إمام التوحيد (في العالم الإسلامي) والدنا الشيخ محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ أكثر من أربعين عامًا مجاهدًا في سبيل الله. ظل يجالد قوى الشر الباغية في صبر، مارس الغلب على الخطوب واعتاد النصر على الأحداث، وإرادة تزلزل الدنيا حولها، وترجف الأرض من تحتها، فلا تميل عن قصد، ولا تجبن عن غاية، لم يكن يعرف في دعوته هذه الخوف من الناس، أو يلوذ به، إذ كان الخوف من الله آخذا بمجامع قلبه، كان يسمي كل شيء باسمه الذي هو له، فلا يُدهن في القول ولا يداجي ولا يبالي ولا يعرف المجاملة أبدًا في الحق أو الجهر به، إذ كان يسمي المجاملة نفاقًا ومداهنة، ويسمي السكوت عن قول الحق ذلا وجبنا».
عاش: رحمه الله للدعوة وحدها قبل أن يعيش لشيء آخر، عاش للجماعة قبل أن يعيش لبيته، كان في دعوته يمثل التطابق التام بين الداعي ودعوته، كان صبورًا جلدًا على الأحداث. نكب في اثنين من أبنائه الثلاث فما رأى الناس معه إلا ما يرون من مؤمن قوي أسلم لله قلبه كله (1).
ويقول الشيخ أبو الوفاء درويش: «كان يفسر آيات الكتاب العزيز فيتغلغل في أعماقها ويستخرج منها درر المعاني، ويشبعها بحثًا وفهمًا واستنباطًا، ويوضح ما فيها من الأسرار العميقة والإشارات الدقيقة والحكمة البالغة والموعظة الحسنة.
ولا يترك كلمة لقائل بعده. بعد أن يحيط القارئ أو السامع علما بالفقه اللغوي للكلمات وأصولها وتاريخ استعمالها فيكون الفهم أتم والعلم أكمل وأشمل».
قلت: لقد كانت اخر آية فسرها قوله تبارك وتعالى: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11].
وقد فسرها رحمه الله في عدد 6 و 7 لسنة 1378هـ في حوالي 22 صفحة.
إنتاجه:
إن المكتبة العربية لتعتز بما زودها به من كتب قيمة مما ألف ومما نشر ومما صحح ومما راجع ومما علق وشرح من الإمام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
وكما كان الشيخ محبًا لابن تيمية وابن القيم فقد جمعت تلك المحبة لهذين الإمامين الجليلين بينه وبين الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر، وكذلك جمعت بينه وبينه الشيخ شلتوت الذي جاهر بمثل ما جاهر به الشيخ حامد.
ومن جهوده كذلك قيامه بتحقيق العديد من الكتب القيمة نذكر منها ما يأتي: ـ
1 ـ اقتضاء السراط المستقيم.
2 ـ مجموعة رسائل.
3 ـ القواعد النورانية الفقهية.
4 ـ المسائل الماردينية.
5 ـ المنتقى من أخبار المصطفى.
6 ـ موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول حققه بالاشتراك مع محمد محي الدين عبد الحميد.
7 ـ نفائس تشمل أربع رسائل منها الرسالة التدمرية.
8 ـ والحموية الكبرى.
وهذه الكتب جميعها لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن كتب الشيخ ابن القيم التي قام بتحقيقها نذكر:
9 ـ إغاثة اللفهان.
10 ـ المنار المنيف.
11 ـ مدارج السالكين.
12 ـ رسالة في أحكام الغناء.
13 ـ التفسير القيم.
14 ـ رسالة في زمراض القلوب.
15 ـ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.
كما حقق كتب زخرى لمؤلفين آخرين من هذه الكتب:
16 ـ فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن آل شيخ.
17 ـ بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني.
18 ـ جامع الأصول من أحاديث الرسول.
19 ـ لابن الأثير.
20 ـ الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية لعلي بن محمد بن عباس الدمشقي.
21 ـ الأموال لابن سلام الهروي.
22 ـ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الرمام المبجل أحمد بن حنبل لعلاء الدين بن الحسن المرادي.
23 ـ جواهر العقود ومعين القضاة.
24 ـ والموقعين والشهود للسيوطي.
25 ـ رد الإمام عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد.
26 ـ شرح الكوكب المنير.
27 ـ اختصار ابن النجار.
28 ـ الشريعة للآجري.
29 ـ العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية لمحمد ابن أحمد بن عبد الهادي.
30 ـ القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية لابن اللحام.
31 ـ مختصر سنن أبي داود للمنذري حققه بالاشتراك مع أحمد شاكر.
32 ـ معارج الألباب في مناهج الحق والصواب لحسن بن مهدي.
33 ـ تيسير الوصول إلى جامع الأصول لابن الربيع الشيباني.
34 - العقود”؛ (لشيخ الإسلام)، [تحقيق، بمشاركة: الشيخ: محمد ناصر الدين الالبانى رحمه الله، (ط).
كما جاء في تقديم الشيخ محمد حامد الفقي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ للكتاب:
مصير هذا التراث:
هذا قليل من كثير مما قام به الشيخ محمد حامد الفقي فيما مجال التحقيق وخدمة التراث الإسلامي وهذا التراث الذي تركه الشيخ إذ أن جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت قد جمعت كل هذا التراث.
وقد جاء في نشرتها (أخبار التراث الإسلامي) العدد الرابع عشر 1408هـ 1988م أنها اشترت خزانة الشيخ محمد حامد الفقي كاملةً مخطوطتها ومصورتها وكتبها وكتيباتها وقد أحصيت هذه تلك المحتويات على النحو التالي:
1 – 2000 كتاب.
2 – 70 مخطوطة أصلية.
3 – مائة مخطوطة مصورة على ورق.
وفاته:
توفي رحمه الله فجر الجمعة 7 رجب 1378هـ الموافق 16 يناير 1959م على إثر عملية جراحية أجراها بمستشفى العجوزة، وبعد أن نجحت العملية أصيب بنزيف حاد وعندما اقترب أجله طلب ماء للوضوء ثم صلى ركعتي الفجر بسورة الرعد كلها. وبعد ذلك طلب من إخوانه أن ينقل إلى دار الجماعة حيث توفى بها، وقد نعاه رؤساء وعلماء من الدول الإسلامية والعربية، وحضر جنازته واشترك في تشيعها من أصحاب الفضيلة وزير الأوقاف والشيخ عبد الرحمن تاج، والشيخ محمد الحسن والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، والشيخ أحمد حسين، وجميع مشايخ كليات الأزهر وأساتذتها وعلمائها، وقضاة المحاكم.
أبناؤه: الطاهر محمد الفقي، وسيد أحمد الفقي، ومحمد الطيب الفقي وهو الوحيد الذي عاش بعد وفاة والده.
(1) هما الظاهر، وسيد، وقد توفي الأول وأبوه في رحلة الحج، وأما الثاني فقد مات فجر الجمعة ذي القعدة عام 1377هـ فخطب الشيخ الجمعة بالناس ووعظهم وطلب منهم البقاء على أماكنهم حتى يصلوا على أخيهم.
فجزاه الله خير الجزاء.
فرحم الله هذا العالم الفقيه النحرير، وأن يبدلنا من هو خيرا منه. إنه ولى ذلك والقادر عليه.
محمود السيد
¥