وعددوا منهم أربعة عشر اسما فقط، ولا أدري عن بقية علماء الأمة، ما موقفهم من هذه القضية في نظر القاديانيين؟ وما موقفهم من العلماء الكثر الذين نقلوا إجماع العلماء على رفع عيسى ونزوله من السماء؟
وهؤلاء المذكورون سأورد ما يتعلق بهم فيما يأتي:
أولا: لقد نسبوا هذه العقيدة لابن عباس رضي الله عنهما؛ استنادا لتفسيره قوله تعالى: (متوفيك) أي: مميتك.
والجواب عن هذه الشبهة باختصار: أن مراده رضي الله عنه: وفاته آخر الزمان بعد نزوله، يؤكد هذا ما أخرجه إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في هذه الآية: (رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان)، انظر: الدر المنثور 2/ 36.
وابن عباس رضي الله عنهما هو الذي يفسر كلامه، وليس بحاجة إلى القاديانيين ليحملوا كلامه حسب أهوائهم.
وعلى هذا فإن في الآية تقديما وتأخيرا؛ أي: رافعك إلي ومتوفيك بعد ذلك.
وتقديم التوفي على الرفع في الذكر لا يقتضي التقدم في الزمن؛ لأن الصحيح أن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب.
وتتميما للفائدة أذكر أن لأهل العلم في تفسير الآية أقوالا أخرى، منها:
أن التوفي بمعنى القبض، وليس الوفاة المعروفة.
ومنها أن الوفاة هنا بمعنى النوم، أي رفعه الله وهو في حالة النوم، والنوم يسمى وفاة، كما قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)، وقال: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار).
ثانيا: جاء في الرسالة ص4 أن الإمام مالكا رحمه الله قال: (مات عيسى)، وأحالوا إلى الشيخ علامة طاهر، بحار الأنوار. هكذا! وهذا من أسمج الكذب وأقبحه، ينقلون عن هذا الإمام الجليل هذه الكلمة في هذا الموضوع الخطير من كتاب لا يعرف لدى المالكية ولا غيرهم، فأين كلامه في الموطأ والمدونة؟ وأين كلامه في مصنفات تلاميذه وأتباع مذهبه؟
ثم إنني قلت: لعلهم يقصدون كتاب: مجمع بحار الأنوار لمحمد بن طاهر الفتني، وبعد بحث في مظان الموضوع فيه تبين أنه ليس فيه نقل عن الإمام مالك بن أنس في هذا الموضوع، وإنما فيه تقرير مؤلفه عقيدة المسلمين في رفع عيسى ونزوله، وإجابة عما يُتوهم من معارضة ذلك لقوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك إلي)، انظر 5/ 91 من الكتاب المشار إليه.
ثالثا: زعمت الرسالة ص4 أن الفخر الرازي يرى هذا الرأي أيضا، ونقلوا عنه ما يأتي: (قال الإمام الرازي في تفسير الآية: (يا عيسى إني متوفيك: أي إني مُنهٍ أجلك، ورافعك أي رافع مرتبتك ورافع روحك إلي ... ثم يقول: (واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله تعالى: (ورافعك إلي) هو رفع الدرجة والمنقبة لا المكان والجهة، كما أن الفوقية في هذه الآية ليست بالمكان بل بالدرجة والمكانة) تفسير الفخر الرازي).
والجواب عن ذلك ما يأتي:
أ- أن العبارة الأولى المنقولة هي من جملة كذبهم الكثير؛ إذ لا وجود لها البتة! والتفسير موجود ونسخه منتشرة.
وإذا كان كثير من المشركين والكفار يأنفون من الكذب لأنه في معيار القيم والأخلاق غايةُ السفول؛ فإن القاديانيين لا يزالون يرتكسون في حمأته المرة تلو الأخرى، والحمد لله الذي فضحهم بأقلامهم، وسيأتي ما يفضحهم أكثر.
ب- أن الرازي أورد في تفسير الآية أوجها عديدة فيها التصريح بأن عيسى عليه السلام رُفع إلى السماء بجسده، وأنه حي فيها حتى ينزل إلى الأرض.
بل إنه في أحد تلك الأوجه نقل الآتي: (ولما علم أن من الناس من يخطر بباله أن الذي رفعه الله هو روحه لا جسده ذكر هذا الكلام ليدل على أنه عليه السلام رُفع بتمامه إلى السماء بروحه وبجسده) فماذا سيقول القاديانيون بعد هذا الكلام؟!
أما العبارة الثانية التي نقلوها فإنها موجودة في آخر ذاك الموضع، وهذه عادة أهل الانحراف والهوى يأخذون من الكلام ما يوافق أهواءهم ويغطون ما سواه.
إن الناظر في كلام الرازي يلحظ أنه قرر عقيدة المسلمين المعروفة بكلام طويل، ثم عقب بهذه العبارة، وتوجيه ذلك عندي أن له محملين:
¥