ربما لم يرد في السنة النبوية من الأحاديث المحذرة والمبينة لفرقة من الفرق مثلما ورد في الخوارج، إذ تواترت الأحاديث الواردة فيهم مبينة صفاتهم ومحذرة من أفكارهم ومواقفهم. وذلك لما تمثله هذه الفرقة من خطر فكري وخطر مادي على أمة الإسلام. فخطرها الفكري يتمثل في سقم منهجها في التعامل مع النصوص، وما يستتبع ذلك من فهوم خاطئة تقوم عليها سلوكيات غاية في البشاعة، وليس هذا فحسب بل إن اتصاف هؤلاء الخوارج بصفات التعبد والتأله، من كثرة الصيام والصلاة وقراءة القرآن ربما يغري بعض الناس فيحسنوا الظن بهم إحسانا يدفعهم إلى اعتقاد صحة أفكارهم وأعمالهم، لذلك كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم ببيان شأنهم وحالهم تنبيها للأمة ورحمة بها لئلا تنزلق في حومة أفكارهم وسوء فعالهم.
تعريف الخوارج:
الخوارج هم الطائفة الخارجة سموا بذلك لخروجهم على علي رضي الله عنه ثم خروجهم على كل من لم يوافقهم من الأئمة، عدولا كانوا أم جائرين، وصفة الخروج على الأئمة من غير موافقيهم هي أخص أوصافهم، حتى نص بعض العلماء على أنه لا يصح إطلاق وصف الخوارج إلا على من كفَّر المسلمين، وسلَّ سيفه عليهم، وأراد تغيير السلطة الحاكمة من غير وجه شرعي.
صفات الخوارج في الحديث النبوي
· الخوارج حَفَظَةٌ من غير فهم:
وهذا مأخوذ من وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم، بأنهم: (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) متفق عليه. وهذا من أعظم الأوصاف سوءا وهو أنهم لا يفهمون القرآن، وهذا سبب انحرافهم الأكبر أنهم قرؤوا القرآن ولم يفقهوا معانيه ومقاصده، فضلوا وأضلوا.
وهذا الوصف النبوي يعرفنا بالخلل في طريقة فهم هؤلاء للقرآن، فهم سطحيون في فهمهم لا يفرقون بين ما نزل في الكفار وبين ما نزل في المسلمين، ولا يحملون نصاً مطلقا على مقيد، ولا عاما على خاص، ويتمسكون بظاهر الآية ولا ينظرون إلى ما عارضها مما يبين معناها، فهم يتعاملون مع القرآن بسذاجة ممزوجة بغرور يدفعهم إلى رد أي توجيه أو إرشاد لهم، الأمر الذي جعلهم في معزل عن الانتفاع بأي نقد يوجه إليهم، يصلحون به طريقهم. فقد ناظرهم علي وابن عباس رضي الله عنهم واستمرت المحاورة الفكرية معهم على مرِّ العصور إلا أن طبيعة تفكيرهم تأبى أن تقبل نقدا أو نقضاً لأقوالها.
الخوارج حرب على المسلمين وسِلْمٌ على الكافرين:
وهذه الصفة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: (يقتلون أهل الإسلام ويَدَعُون أهل الأوثان) متفق عليه. وهذه علامة من علامات نبوته، وأمارة من أمارات صدقه صلى الله عليه وسلم، فلم يعرف عن الخوارج أنهم رفعوا السيف في وجه أهل الأوثان، بل عُرفوا بالشفقة على أهل الذمة من الكفار دون المسلمين، ولقد دعاهم علي رضي الله عنه إلى قتال من قال: " كذب الله ورسوله " فأبوا إلا قتل المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم!!.
الخوارج اجتهاد في العبادة ومروق من العقيدة:
ومما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج قوله: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) متفق عليه. هذا الوصف الإيجابي يدل على شدة عبادة هؤلاء وتبتلهم لربهم، إلا أن هذا التبتل غير شافع لهم لما خالطه من تكفير للمسلمين وإلحاق الأذى بهم، وترك جهاد الكافرين، وفوق ذلك تحريفهم لكتاب الله عز وجل وتحميله من المعاني ما لا يحتمل، وما اتفق المسلمون على نفيه عنه وتنزيهه منه.
· الخوارج حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام:
ومن الأوصاف النبوية للخوارج أنهم: (حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام) متفق عليه، فهم صغار في السن وضعفاء في العقل، فقد جمعوا بين أمرين: صغر السن المتصف صاحبه - غالبا - بعدم تقدير الأمور ووزنها بميزانها الصحيح، وبين ضعف العقل مما يدل على السفه، وهذا يراه الدارس لمذاهبهم ومواقفهم، فالخوارج خرجوا على حين فرقة من المسلمين (علي / معاوية) والصحابةُ وإن اختلفوا في هذه الفُرقة بين مؤيد ومعتزل، إلا أنهم أجمعوا على نبذ ما دعت إليه الخوارج وإنكاره، وهذا الموقف الإجماعي من الصحابة تجاه الخوارج كان ينبغي أن يدفعهم إلى النظر في شأنهم وتأمله، ومراجعة أفكارهم ومواقفهم، إلا أنهم أبوا إلا المضي في غيهم، وهذا قمة السفه، وبهذا صدق فيهم الوصف النبوي بأنه سفهاء الأحلام نسأل الله السلامة.
¥