- ثبت عن الإمام أحمد النهي عن اللعن، كما في رواية صالح نفسه، أن أحمد قال: " ومتى رأيت أباك يلعن أحداً، لما قيل له ألا تلعن يزيد "، وحين سأل عصمة بن أبي عصمة أبو طالب العكبري الإمام أحمد عن لعن يزيد، قال: " لا تتكلم في هذا. قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " لعن المؤمن كقتله "، وقال: " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ". وقد كان يزيد فيهم فأرى الإمساك أحب إليّ " ا. هـ.
- قال الخلال: " وما عليه أحمد هو الحق من ترك لعن المعيّن، لما فيه من أحاديث كثيرة تدل على وجوب التوقي من إطلاق اللعن "
- قال تقي الدين المقدسي: " إن المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق لا المعيّن، كما قلنا في نصوص الوعد والوعيد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة، وأن الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعيّن إلا من شهد له النص، أو شهدت له الاستفاضة على قول، ثمّ إن النصوص التي جاءت في اللعن جميعها مطلقة، كالراشي والمرتشي، وآكل الربا وموكله، وشاهديه وكاتبه " ا. هـ.
- اختلاف الحنابلة – رحمهم الله – في تجويز لعن يزيد إنما جاء باعتماد بعضهم على رواية صالح المنقطعة، والتي لا تثبت عن الإمام أحمد – رحمه الله -، لذلك اعتمد أبو يعلى على تلك الرواية فألف كتاباً ذكر فيه بيان ما يستحق من اللعن، وذكر منهم يزيد، وتابعه في ذلك ابن الجوزي – رحمه الله – فألف كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد "، وأباح فيه لعن يزيد بن معاوية.ولم يقتصر ذلك على بعض فقهاء الحنابلة بل امتد إلى غيرهم، فتابع السيوطي ابن الجوزي في ذلك، وإلى ذلك ذهب ابن حجر – رحمه الله – وذكر أن الإمام أحمد يجيز لعن يزيد، بينما شذّ أبو المعالي حينما نقل الإتفاق على جواز لعن يزيد بن معاوية.
خامسا: استدلوا بجواز لعنه بأنه كان يقارف المسكرات، وينكح الأمهات والبنات والأخوات، ويدع الصلوات:
نقل الطبري روايتين عن أبي مخنف. ونقل البلاذري عدة روايات عن الواقدي. ونقل ابن عساكر وابن كثير عن محمد بن زكريا الغلابي نصاً واحداً.ونقل البيهقي وابن عساكر وابن كثير رواية واحدة من طريق الفسوي. ونقل ابن كثير رواية واحدة عن أبي مخنف.ونقل الطبري وخليفة بن خياط وأبو الحسن العبدي وابن كثير والذهبي وابن حجر على رواية جويرية بن أسماء عن أشياخ أهل المدينة، ونقل ابن سعد عن الواقدي نصاً واحداً.ونقل البياسي عن أبي مخنف نصاً واحداً.ونقل ابن عساكر عن عمر بن شبة باتهام يزيد بشرب الخمر.
قلت: ممّا سلف بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل تلك الروايات تكمن في الواقدي، وأبي مخنف، وعوانة بن الحكم، ورواية عمر بن شبة.
فأما الروايات التي من طريق الواقدي وأبي مخنف فهما متروكا الحديث، وأما عوانة بن الحكم فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: " فكان يضع الأخبار لبني أمية ".وأما رواية عمر بن شبة التي تشير إلى اتهام يزيد بشرب الخمر في حداثته، فقد تكفل ابن عساكر – رحمه الله – في ردها فقال: " وهذه حكاية منقطعة، فإن عمر بن شبة بينه وبين يزيد زمان "
قلت: وأقوى ما يتعلق به المتهمون يزيد بشرب الخمر بروايتين:
الرواية الأولى:
وهي التي أخرجها ابن عساكر وغيره من طريق محمد بن زكريا الغلابي، في أن يزيد كان يشرب الخمر في حداثته، فأرشده أبوه إلى شربها ليلاً فقط!!، وهذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً للعلل التالية:
- في سندها محمد بن زكريا الغلابي، قال عنه الدارقطني: " كان يضع الحديث "، وذكره الذهبي في " المغني في الضعفاء "، وساق له حديثاً في ميزان الاعتدال، وقال: " فهذا من كذب الغلابي ".
- وفي سندها ابن عائشة راوي الخبر، وهو محمد بن حفص بن عائشة، فقد ذكره أبو حاتم و البخاري و سكتا عنه، فهو مجهول عندهما كما قرّر ذلك ابن القطان في كتابه: " بيان الوهم والإيهام ".
- لم تحدّد المصادر تاريخ وفاة ابن عائشة، غير أنّ ابنه عبد الله الراوي عنه توفي سنة 228هـ، وبهذا فإن ابن عائشة ولد تقريباً بعد المائة من الهجرة، ومن ثم تكون الرواية مرسلة، لأن الراوي بينه وبين هذه القصة – على افتراض وقوعها – أمد بعيد.
¥