- من ناحية المتن فكيف يرضى معاوية – رضي الله عنه – لولده بشرب الخمر، ويشجعه عليها ليلاً، ومعاوية هو الصحابي الجليل وأخو أم المؤمنين وكاتب الوحي المبين، وهو رواي الحديث: " من شرب الخمر فاجلوده ".
- قال الشيباني – حفظه الله -: " ومن الغريب أن ابن كثير – رحمه الله – بعد إيراده لهذا الخبر تعقبه بقوله: قلت: وهذا كما جاء في الحديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل " ويفهم من تعقيب ابن كثير كأنه مؤيد لهذه الرواية التي لا تحظى بأي نسبة من الصدق " ا. هـ.
الرواية الثانية:
وهي رواية يعقوب بن سفيان البسوي: سمعت ابن عفير: أخبرنا ابن فليح أن عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه، وأحسن جائزته، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر، وكان مرضياً صالحاً. فقال: ألم أجب؟ ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه "
قلت: هذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً، وذلك للعلل التالية:
- ابن فليح هو يحيى بن فليح بن سليمان المدني، قال عنه ابن حزم: " مجهول " وقال مرة: " ليس بالقوي ". @@@.
- ابن فليح وأبوه أيضاً لم يدركا هذه الحادثة،فقد ولد أبوه سنة 90 من الهجرة تقريبا ً، وتوفي سنة ثمان وستين ومئة من الهجرة، ومن هنا يتضح أن كان بين مولد أبيه والحادثة مفاوز طويلة وزمان بعيد، ومن ثم تبقى الرواية منقطعة.
- عندما ذهب عبد الله بن مطيع إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب، فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة، متحرياً للخير، يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعاً، فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر لي الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لك يكن أطلعكم فما يحلّ لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا "
- محمد بن الحنفية هو أخو الحسين بن علي، وقد قتل أخوته وأقاربه في كربلاء، وليس من المعقول أن يقف مع يزيد، خاصة إذا علم أنه كان يشرب الخمر ويترك الصلاة.
- كذلك أقام علي بن الحسين طويلاً عند يزيد (قرابة الشهر)، وذلك بعد مقتل والده وأقاربه في كربلاء، ومع ذلك لم نجد رواية واحدة عن علي بن الحسين يتهم فيها يزيد بن معاوية بشرب الخمر.
- الصحابيان الجليلان النعمان بن بشير وعبد الله بن جعفر – رضي الله عنهما – من الذين كانت لهم صلة قوية بيزيد، فالنعمان كان أميره على الكوفة، ثم جعله مستشاراً له في أمور الدولة، وعبد الله بن جعفر صحابي جليل كان يحبه – صلى الله عليه وسلم – وكان يقول: " وأما عبد الله فشبه خَلْقي وخُلُقي "، ولم نر هذين الصحابيين الجليلين ذكرا يزيد بالخمر، أو ترك الصلاة، فكيف يكون لهما هذه المنزلة ولا يعرفون عن يزيد ما اطلع عليه المغرضون المتهمون يزيد بشربها.
- لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " ولم يكن يزيد مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه "ا. هـ.
? ونورد فيما يلي أقوال أهل السنة والجماعة في مسألة لعن يزيد:
- قال ابن العربي – رحمه الله -: " فإن قيل إن يزيد كلن خمّاراً، قلنا: لا يحلّ إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه " ا. هـ.
- قال ابن حجر الهيتمي: " لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه، إلا أن يعلم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب، ولأن اللعن هو الطرد من رحمة الله، الملتزم لليأس منها، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر " ا. هـ.
- قال ابن الصلاح: " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي قتل الحسين -، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله -، إنما هو يزيد بن زياد والي العراق إذ ذاك، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين، فإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ: " أن لعن المسلم كقتله "، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم -، والناس في يزيد ثلاث فرق: فرقة تحبه وتتولاّه، وفرقة أخرى تسبه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاّه ولا تلعنه، وتسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وشبهه،وهذه
¥