تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان مفتيا، وأنه لا يقدم للصلاة، وإن كان لو قدم واقتدى به مقتد كانت صلاته ماضية فقد حوى قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} هذه المعاني كلها ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة تجويز إمامة الفاسق وخلافته وأنه يفرق بينه وبين الحاكم فلا يجيز حكمه، وذكر ذلك عن بعض المتكلمين وهو المسمى زرقان وقد كذب في ذلك وقال بالباطل، وليس هو أيضا ممن تقبل حكايته ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة ولا يكون حاكما; كما لا تقبل شهادته ولا خبره لو روى خبرا عن النبي عليه السلام وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة وأحكامه غير نافذة

وكيف يجوز أن يدعى ذلك على أبي حنيفة وقد أكرهه ابن هبيرة في أيام بني أمية على القضاء وضربه فامتنع من ذلك وحبس فلج ابن هبيرة وجعل يضربه كل يوم أسواطا. فلما خيف عليه قال له الفقهاء: فتول شيئا من أعماله أي شيء كان حتى يزول عنك هذا الضرب فتولى له عد أحمال التبن الذي يدخل، فخلاه، ثم دعاه المنصور إلى مثل ذلك فأبى، فحبسه حتى عد له اللبن الذي كان يضرب لسور مدينة بغداد وكان مذهبه مشهورا في قتال الظلمة وأئمة الجور، ولذلك قال الأوزاعي: " احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف يعني قتال الظلمة فلم نحتمله، وكان من قوله: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول، فإن لم يؤتمر له فبالسيف، على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسأله إبراهيم الصائغ وكان من فقهاء أهل خراسان ورواة الأخبار ونساكهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: " هو فرض " وحدثه بحديث عن عكرمة عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتل}. فرجع إبراهيم إلى مرو وقام إلى أبي مسلم صاحب الدولة فأمره ونهاه وأنكر عليه ظلمه وسفكه الدماء بغير حق، فاحتمله مرارا ثم قتله. وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته والقتال معه وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، وقال لأبي إسحاق الفزاري حين قال له: لم أشرت على أخي بالخروج مع إبراهيم حتى قتل؟ قال: مخرج أخيك أحب إلي من مخرجك ". وكان أبو إسحاق قد خرج إلى البصرة،

((وهذا إنما أنكره عليه أغمار أصحاب الحديث الذين بهم فقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تغلب الظالمون على أمور الإسلام،))!!!

فمن كان هذا مذهبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف يرى إمامة الفاسق؟ فإنما جاء غلط من غلط في ذلك، إن لم يكن تعمد الكذب من جهة قوله وقول سائر من يعرف قوله من العراقيين، أن القاضي إذا كان عدلا في نفسه فولي القضاء من قبل إمام جائر أن أحكامه نافذة وقضاياه صحيحة وأن الصلاة خلفهم جائزة مع كونهم فساقا وظلمة، وهذا مذهب صحيح ولا دلالة فيه على أن من مذهبه إمامة الفاسق، وذلك لأن القاضي إذا كان عدلا فإنما يكون قاضيا بأن يمكنه تنفيذ الأحكام وكانت له يد وقدرة على من امتنع من قبول أحكامه حتى يجبره عليها، ولا اعتبار في ذلك بمن ولاه; لأن الذي ولاه إنما هو بمنزلة سائر أعوانه. وليس شرط أعوان القاضي أن يكونوا عدولا; ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم لو اجتمعوا على الرضا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعوانا له على من امتنع من قبول أحكامه لكان قضاؤه نافذا وإن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان؟ وعلى هذا تولى شريح وقضاة التابعين القضاء من قبل بني أمية، وقد كان شريح قاضيا بالكوفة إلى أيام الحجاج، ولم يكن في العرب ولا آل مروان أظلم ولا أكفر ولا أفجر من عبد الملك، ولم يكن في عماله أكفر ولا أظلم ولا أفجر من الحجاج وكان عبد الملك أول من قطع ألسنة الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صعد المنبر فقال: " إني والله ما أنا بالخليفة المستضعف يعني عثمان ولا بالخليفة المصانع يعني معاوية وإنكم تأمروننا بأشياء تنسونها في أنفسكم; والله لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إلا ضربت عنقه "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير