وهذه من أهم أصول التفسير ومنهجه الذي سار عليه أئمة التفسير وعلماء الأمة بعد ذلك. وقد قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقال ابن كثير: فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه في مظانه وتعلمه وتعليمه، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عشر آيات ولا يأخذون العشر الأخرى حتى يأخذوا ما في هذه من العمل والعلم، كما روى أصحاب السنن عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود وغيره.
إذا علمنا هذا، فلنعلم أن التفسير لا يعد تفسيرا مقبولا ومعتبرا إلا إذا روعيت فيه أصول التفسير التي استمدها علماء الإسلام من الكتاب والسنة وعمل الصحابة، وبإمكانك أن تطلع عليها في مقدمة كتب التفسير المعتبرة مثل تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، وفي مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا ينبغي أن ننزعج أو تضيق صدورنا إذا رأينا خلافا بين الأئمة والعلماء فيما يكون الخلاف فيه مقبولا، فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في الفروع وفيما يحتمل وجوها عدة، وهذا الاختلاف رحمة وتوسعة وإثراء للتفسير والفقه الإسلامي، ولهذا قال العلماء: اختلاف الأئمة رحمة واسعة وإجماعهم حجة قاطعة.
وربما كان الخلاف بينهم خلافا لفظيا وهذا هو الأكثر في تفسير السلف.
والقرآن الكريم بحر زاخر حوى من معارف الأولين والآخرين وعلوم الدين والدنيا ما يحتاج إليه الناس لهدايتهم وإصلاح حالهم.
ولن تنتهي عجائبه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه معجزة الإسلام الخالدة وخاتمة وحي الله تعالى إلى عباده، فلا يمكن أن يكتفي بتفسيره في عصر من العصور أو مصر من الأمصار .. فكل أهل عصر أو أهل مصر يغرفون من بحره حسب علمهم وفهمهم، وما يهتمون به من معارف، ويستخرجون من كنوزه ما يفتح الله تعالى به عليهم، ولهذا نلاحظ تفسير الفقهاء، وتفسير أهل اللغة والأدب، وتفسير أهل الدعوة والإصلاح، وتفسير أهل التربية والأخلاق.
وفي العصر الحديث نجد التفسير في الإعجاز العلمي للقرآن، فالكل يغرف من بحره قدر إنائه وحسب تخصصه.
وأما قول السائل الكريم "من قال في القرآن .. الحديث، رواه الترمذي والنسائي، فقال عنه أهل العلم: إن ذلك في من قال فيه بما سنح له في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول، وإن من استدل على حكم واستنبط فحمله على الحكم المتفق على معناه فهو ممدوح مأجور، وهو ممن قال الله تعالى فيهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قاله الجصاص .. وقال عنه ابن كثير: لأنه تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أمر به. وقال عنه القرطبي: من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده ...
والذي لا شك أن الصحابة وغيرهم من السلف الصالح كانوا يفسرون القرآن بما ظهر لهم وفق المنهج الذي أشرنا إلى بعض قواعده.
فقد روى البخاري وغيره عن أبي جحيفة أنه قال لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي غير ما في كتاب الله؟ قال لا، والذي فلق الحب وبرأ النسمة لا أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ..
وقد ذكرنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس.
وأما حديث: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، فقد رواه الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط، ولكنه جاء في سياق النهي عن الخوض في القدر وليس في النهي عن التفسير، ونصه كما في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم.
والحاصل أن الصحابة كانوا يفسرون القرآن، بل كانوا يقرأون عشر آيات ولا يتجاوزونها حتى يعلموا معناها وكان السلف يفسرون القرآن ولكن ذلك كان مضبوطا بأصول ثابتة ومنهج واضح لا يجوز لمن لم يتوفر فيه أن يقحم نفسه في تفسر القرآن وهو المقصود بالوعيد المكور.
¥