استطراد -قد يكون نافعا-:
القسمة ثنائية عند الجمهور فالجمل عندهم إما فعلية وإما اسمية ... وقد حاول بعض النحاة قديما وحديثا أن يزيد قسما ثالثا ولكن هذه الزيادة لم تكن مقنعة:
فالزمخشري اقترح نوعا ثالثا هي الجملة الشرطية لكنها لم يرتضها غيره. قال ابن هشام في المغني:
وزاد الزمخشري وغيره الجملة الشرطية والصواب أنها من قبيل الفعلية.
وابن هشام نفسه اقترح في المغني نوعا ثالثا هو الجملة الظرفية لكنها لم تلق قبولا حسنا من الدسوقي، فقال في حاشيته على المغني:
(قوله:إلى اسمية وفعلية وظرفية) هذا تقسيم أصلي للجملة ولكن في الحقيقة أن الظرفية ترجع لما قبلها من الاسمية والفعلية لأنك إما أن تقدر عامل الظرف كائن أو استقر.
والصواب مع الجمهور لأن النوعين الجديدين يمكن إرجاعهما إلى النوعين الأصلين وتقيل الأقسام مطلوب كما هو معلوم.
فصح عندنا أن نقول إن سورة الكوثر احتوت نوعيا كل العربية.
4 - يقسم أهل اللغة الجملة باعتبار بنيتها إلى قسمين: بسيطة ومركبة وقد يعتمدون اصطلاحا مغايرا- قريبا وليس مرادفا-
فيقولون: جملة صغيرة وكبيرة. قال في المغني:
الكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو" زيد قام أبوه" و"زيد أبوه قائم"
والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثالين.
ولك أن تعجب من سورة الكوثر فهي لم تقدم مثالا عن كل نوع فقط بل قدمت مثالا ثالثا لجملة تحتمل النوعين بحسب وجهة النظر:
- إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ: جملة مركبة أو كبرى ف أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ جملة صغيرة في محل رفع خبر للجملة الأصلية.
- فَصَلِّ لِرَبِّكَ. جملة تامة صغيرة فيها اسناد واحد.
أما جملة: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ..... فهي من المرونة بحيث تضعها حيث شئت: فلو اعتبرت "هو"ضمير فصل و"الأبتر" خبرا عن الشانيء فالجملة بسيطة لا محالة.ولو اعتبرت "هو"مبتدأ و"الأبتر" خبره ومجموعهما خبرا للشانيء فالجملة كبرى ضرورة. فلله در هذه السورة.
الضمائر في سورة الكوثر:
استوعبت سورة الكوثر كل أنواع الضمير في اللغة العربية دون أن تغفل الأحوال الإعرابية المختلفة وهذا من العجب العجاب لأننا نضع نصب أعيننا دائما أن عدد مفرداتها لا تتجاوز عدد أصابع الإنسان، وتفصيله:
1 - الضمائر بارزة ومستترة:
فمن بارز الضمائر في السورة ما ظهر في فعل "أعطيناك".
ومن مستتره ما كمن في فعل "صل "أو" انحر".
2 - الضمائر متصلة ومنفصلة:
ولك في جملة "أعطيناك" مثال على المتصل من الضمائر.
ولك في جملة هو الأبتر مثال آخر على الضمير المنفصل.
3 - الضمائر في إحالتها على عناصر الخطاب تنقسم إلى ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب.
ولا تحتاج إلى غير سورة الكوثر للتمثيل:
-فضمير المتكلم حاضر في" أعطينا"
-وضمير المخاطب في" أعطيناك" و" ربك" و"شانئك" صريحا، و في"صل" و"انحر"مقدرا.
-وضمير الغائب في "هو" صريحا وفي شانيء مقدرا، فتأمل هذه التناسبات اللطيفة.
4 - باعتبار مقولة العدد:
جاء في السورة ضمير المفرد وضمير الجماعة. وقد اجتمعا في كلمة "أعطيناك"
استطراد آخر-قد يكون مفيدا-
:
قد يقال إن مقولة العدد في اللسان العربي ذات تمفصل ثلاثي وليس ثنائيا .. فأين ضمير المثنى في سورة الكوثر؟
جوابه من وجهين:
-ليس من شرطنا أن تحتوي السورة على كل أبواب النحو لتحصل المعجزة -فمقولة التأنيث مثلا لا حضور لها في السورة-بل يكفي أن تتعدد الأنواع والتقاسيم بصورة غير عادية،وما ذكرناه كاف إن شاء الله.
-"المثنى" في اللغة العربية باب قلق لا ينضبط ... وكثيرا ما يعبر العرب بصيغة الجمع عنه، فيكون الجمع بديلا عن المثنى كما في كثير من اللغات الحالية.
وفي القرآن المبين أمثلة كثيرة منها:
{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (4) سورة التحريم
صدر الآية مثنى وليس كذلك عجزها.
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (19) سورة الحج
رجع ضمير الجمع على مثنى.
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (38) سورة المائدة
حصلت المطابقة في المضاف إليه وما هي بحاصلة في المضاف.
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (9) سورة الحجرات
حصلت المطابقة في "بينهما" لكن بعد أن قال "اقتتلوا".
¥