تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا وبغيره مما يطول ذكره يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم المختصون بالعلم بأقواله وأحواله مميزين بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، وإتباعا لها تصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يرجعون فيما تنازعوا فيه -من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك- إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، ويقدمونها على الدين المنزل، بل يجعلون ما بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه، ويفصلون في ما تنازع فيه الناس من الألفاظ المجملة؛ فما كان من معانيها موافقا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، إذ هما عين الجهل والظلم ومنبعه، قال الله تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}.

ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام من المعتزلة والأشاعرة والمرجئة على درجات، منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، كما هو الحال عند الأشاعرة في الإيمان مثلا، إذ يقولون بأن الإيمان هو المعرفة فقط، فوافقوا الجهمية الزنادقة وخالفوا أهل السنة والجماعة الذين يقولون بأن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه كما فعلت ذلك الأشاعرة مع المعتزلة، فيكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة، ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون كما فعلت الخوارج، كان من نوع الخطأ الذي قد يكون مغفورا، وقد وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها، بخلاف من والى موافقه، وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والإجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات المذمومين شرعا وعقلا.

الأحق بعلم أصول الفقه أئمة السلف وليس المتكلمين:

وأما ما يزعمه هؤلاء المتكلمة وكذلك الدكتور عمارة من أن علم أصول الفقه يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية في التشريع، وأن أئمته هم الباقلاني والجويني والغزالي، فهذا من قلة خبرته بعلوم السلف كالإمام مالك والإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة.

فان الكلام في أصول الفقه، وتقسيمها إلى الكتاب والسنة والإجماع واجتهاد الرأي، والكلام في وجه دلالة الأدلة الشرعية على الأحكام أمر معروف من زمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وهم كانوا أقعد بهذا الفن وغيره من فنون العلم الدينية ممن بعدهم، فلقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شريح: "اقض بما في كتاب الله، فان لم يكن فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان لم يكن فبما اجتمع عليه الناس، وفى لفظ فبما قضى به الصالحون، فان لم تجد فان شئت أن تجتهد رأيك"، وكذلك قال ابن مسعود وابن عباس، وحديث معاذ من أشهر الأحاديث عند الأصوليين.

فما من نازلة نزلت على العبد إلا وفي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الدليل على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}، وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}، وقال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وبشرى للمسلمين}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير