تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كنا نسمع في صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله فنصدقها بالتبع لمشايخنا وآبائنا، ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين ولأجله حارتهم وخضدت شوكتهم، وأنا لم أعلم حقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر والإطلاع على تاريخ الجبرتي وتاريخ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها ولا سيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذاً لتجدد مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفاً من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الاولى.

على أن العلامة الشيخ عبدالباسط الفاخوري مفتي بيروت كان ألف كتاباً في تاريخ الإسلام ذكر فيه الدعوة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقال إنها عين ما دعا إليه النبيون والمرسلون، ولكنه قال إن الوهابيين في عهده متشددون في الدين، وقد عجبنا له كيف تجرأ على مدحهم في عهد السلطان عبدالحميد، ورأيت شيخنا الشيخ محمد عبده في مصر على رأيه في هداية سلفهم، وتشدد خلفهم، وأنه لولا ذلك لكان إصلاحهم عظيماً ورجى أن يكون عاماً، وقد ربى الملك عبدالعزيز الفيصل أيده الله غلاتهم المتشددين منذ سنتين بالسيف تربية يرجى أن تكون تمهيداً لإصلاح عظيم ().

ثم أطلعت على أكثر كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورسائله وفتاويه وكتب أولاده وأحفاده ورسائلهم ورسائل غيرهم من علماء نجد في عهد هذه النهضة التجديدية فرأيت أنه لم يصل إليهم اعتراض ولا طعن فيهم إلا وأجابوا عنه، فما كان كذباً عليهم قالوا: "سبحانك هذا بهتان عظيم" وما كان صحيحاً أو له أصل بينوا حقيقته وردوا عليه وقد طبعت أكثر كتبهم، وعرف الألوف من الناس أصل تلك المفتريات عنهم.

ومن المستبعد جداً أن يكون الشيخ أحمد دحلان لم يطلع على شيء من تلك الكتب والرسائل وهو في مركزه بمكة المكرمة على مقربة منهم، فإن كان قد اطلع عليها ثم أصر على ما عزاه إليهم من الكذب والبهتان – ولا سيما ما نفوه صريحاً وتبرؤا منه – فأي قيمة لنقله ولدينه وأمانته؟ وهل هو إلا ممن باعوا دينهم بدنياهم؟

ولقد نقل عنه بعض علماء الهند ما يؤيد مثل هذا فيه، فقد قال صاحب كتاب (البراهين القاطعة على ظلام الأنوار الساطعة) المطبوع بالهند: إن شيخ علماء مكة في زماننا (قريب من سنة 1303هـ) قد حكم – أي أفتى – بإيمان أبي طالب وخالف الأحاديث الصحيحة لأنه أخذ الرشوة الربابي القليلة من الرافضي البغدادي اهـ. وشيخ مكة في ذلك العهد هو الشيخ أحمد دحلان الذي توفي سنة 1304هـ، وصاحب الكتاب المذكور هو العلامة الشيخ رشيد أحمد الكتكوتي مؤلف (كتاب بذل المجهود شرح سنن أبي داود) والخبر مذكور فيه، وهو قد نسب إلى أحد تلاميذ مؤلفه الشيخ خليل أحمد والصحيح أنه هو الذي أملاه عليه، وهو كبير علماء ديوبند في عصره رحمه الله.

وإذا فرضنا أن الشيخ أحمد دحلان لم ير شيئاً من تلك الكتب والرسائل، ولم يسمع بخبر عن تلك المناظرات والدلائل، وأن كل ما كتبه في رسالته قد سمعه من الناس وصدقه، أفلم يكن من الواجب عليه أن يتثبت فيه، ويبحث ويسأل عن كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورسائله ويجعل رده عليها، ويقول في الأخبار اللسانية قال لنا فلان أو قيل عنه كذا، فإن صح فحكمه كذا؟

إن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل فبحثوا وتثبتوا وتبينوا كما أمر الله تعالى، فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون لا أمانة لهم، وأثنى عليه فحولهم في عصره وبعد عصره، وعدُّوه من أئمة المصلحين المجدّدين للإسلام، ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم، ولا تتسع هذه المقدمة لنقل شيء من ذلك، وإنما هي تمهيد للتعريف بهذا الكتاب في الرد عليه.

كتاب (صيانة الإنسان ومؤلفه)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير