تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إرسال رسالة بريد إلكتروني إلى محمود المصري

إيجاد جميع المشاركات للعضو محمود المصري

13/ 06/06, 03:48 03:48:48 PM

أبو عبد المعز

عضو مميز تاريخ الانضمام: 18/ 03/02

المشاركات: 528


{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (15) سورة الملك

هي آية واحدة، لكنك لو تدبرتها لوجدت نفسك سائحا في ملكوت الله،طائفا على مختلف العلوم،
مستعرضا الأزمان والأمكنة:

1 - الدلالة على رب العالمين:

أ-وقد دلت الآية الكريمة على رب العالمين بالدليلين المعروفين:دليل الاختراع، ودليل العناية (كما سماهما أبو الوليد ابن رشد الحفيد)
فخلق الأرض وجعلها،من الدليل الأول، وتسخيرها للإنسان وتوفير ما يلائم طبعه من رزق وأكل من الدليل الثاني.
ب-نبهت الآية في ابتدائها وفي انتهائها على اسمين جليلين للرحمن: الأول والآخر.
فكل شيء ابتداؤه من الله (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا)
وكل شيء منتهاه إلى الله (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).
ج-جمعت الآية بين فعلي الربوبية: الخلق والأمر ... {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} (54) سورة الأعراف

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا:خلق.
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ: أمر.

2 - الدلالة على العلم الطبيعي:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ....
اشتملت الجملة على فعل عجيب ووصف أعجب، لما فيهما من لطف ودقة الإشارة إلى ما هو مشهور في المجتمع العلمي:
-قالوا إن الأرض في مراحلها التكوينية الأولى لم تكن صالحة للحياة ثم تشكل الغلاف الجوي بعد ذلك واستقرت القارات وظهرت النباتات فأصبحت صالحة مسكنا للبشر ....
وقد جاء في الآية فعل "جعل"الذي يفيد التحول والتصيير والنقل من حالة إلى أخرى .....
جعل الأرض ذلولا مفهومه أنها كانت من قبل في وضعية مغايرة.
-أما وصف الأرض ب "ذلول" فيشهد على أن هذا القرآن من تنزيل عليم خبير .....
قال في اللسان:

ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاًّ وذِلاًّ فهو ذَلُولٌ يكون في الإِنسان والدابة.
وقال في المفردات:
ذَلَّتِ الدَّابَّةُ بعدَ شِماسٍ ذُلاًّ وهي ذَلُولٌ: ليست بصَعْبَة.
أشار ابن منظور والراغب- رحمهما الله-إلى الدابة الذلول، ولا شك أن وصف الذلول أظهر ما يكون في حالة المطية ... فهي تخضع لصاحبها ولا تحاول أن تلقيه من على ظهرها كما تفعل الدابة الشموس ....
والمتأمل في حال الارض-وفق ما اشتهر في المجتمع العلمي-سيجد هذا التماثل البليغ بين الأرض والمطية: فالأرض هي مطيتنا الكونية ونحن مستقرون على ظهرها بينما هي تقطع ملايين الأميال في الفضاء بسرعة مهولة ..... فلا تشعرنا بالحركة فضلا عن أن تلقينا بعيدا عنها:باختصار الأرض مطية ذلول.

3 - الدلالة على علم العمران:

فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا أمر عام لبني آدم جاء بعد جعل الأرض ذلولا،فالمشي في مناكبها هو الحكمة أو العلة الغائية من جعلها على ذلك الوصف ...
ويتضح من الآية الوضع البشري في التقدير الرباني: فهو مخلوق للسعي والحركة والسفر والرحلة والبحث والتنقيب .....
ومنها يستفاد أيضا ضلال المذاهب الداعية إلى التواكل والانقطاع عن العمل والبحث عن الرزق، منحرفين ومحرفين للعبادة العظيمة التي هي التوكل.

4 - الدلالة على علم الأخلاق والسلوك.

وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ.
جاور البيان المعجز بين الأكل والتذكير:
كل من رزق الله، ولكن لا تنس الموت والبعث والحساب!!
فكأن عبارة وَإِلَيْهِ النُّشُورُ جاءت لكبح الاسترسال في الأكل والانغماس في الشهوات ...
فتكون الآية قد وضحت بجلاء التوسط السلوكي الأمثل المطلوب من المكلف.

5 - الدلالة على علم التاريخ:

لخصت الآية تاريخ الإنسان في الوجود:
-فذكرت النشأة الأولى:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا"
والنشأة الثانية: "وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
وذكرت مرحلة المعاش "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه."
ومرحلة المعاد: ِ "وَإِلَيْهِ النُّشُورُ."
وذكرت التكليف والحساب.
ثم ذكرت إجمالا الأحوال الثلاث للإنسان مع الأرض:
-يكون فوقها: مستفاد من قوله:"فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا."
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير