وقد سميت هذا البيان: (حوار هادئ مع الأخ ممدوح الجبرين حول نظريته العقلية في تحديد ليلة القدر)، وأبعدتُ عن هذا العنوان صيغة الرد الجافّة أو السجع المتكلف حتى يكون صدر أخي ممدوح حفظه الله منشرحاً لما أذكر، متيقناً أني لا أبتغي بهذا الحوار إلا وجه الله تعالى والنصح لي وله، والحوار العلمي الهادف البعيد عن كل الآفات. وسمّيته نظرية عقلية وإن كان الأخ الفاضل يستشهد بأشياء محسوسة لكنه بنى هذه الأشياء المحسوسة على تركيبٍ نظريٍ عقليٍ بحت. ولم أدوّن هذا الحوار إلا بعد يقيني أن الأخ ممدوح قد كان في نظريته متيقناً وقاطعاً وجازماً فيما يقول، حيث لو كان ظانّاً أو مستأنساً بنظريته فقط، ما سطرتُ حرفاً واحداً. وأكثرت فيه قضية على فرض التسليم حتى تنحصر الحجج.
فإن كان أخي العزيز ممدوح – وهو كذلك إن شاء الله – رجلاً قد جعل خط الرجعة إلى الحق مفتوح متى ما حاد عن الصواب فليقرأ هذا الحوار، وإن لا فلا.
كما أني لا أدعي العصمة فيه فمتى ما وجد الأخ العزيز القدير ممدوح في كلامي خلل أو نقص أو اعتراض، فليشرع بتبيينه وتوضيحه علميّاً بالطريقة التي يريد وبالأسلوب الذي يبتغي، فإنّ صدري له منشرحٌ ما دامَ توضيحه وتعقيبهُ علميّاً صرفاً.
أخيراً: هذا الحوار مع أخي الحبيب إنما هو مكشوفٌ للناس لا يواريه شيء عنهم، فالأخ ممدوح قد أظهر نظريته للملأ بعد أن تيقن منها كما ذكر سدده الله، وفي إظهاره علامةٌ على قبوله رأي الآخر وإعلانه أنّ هذا اجتهاده، فكان من العدل أن لا يكون هذا الحوار سرّيَّاً بيني وبينه، بل يظهر وينتشر كما انتشر رأيه حفظه الله أمام الناس، فهذا الحوار لا يوجد فيه إلا: قال الله وقال رسوله وقال الصحابة وأئمة الإسلام.
واللهَ أسأل أن يُلهمني وأخي ممدوح والقارئ الكريم الصوابَ، وسلوك الجادة التي وسعت القرون المفضلة ومن بعدهم من السلف الصالحين، وأن يرزقنا حسن القول والعمل، والحمد لله أولاً وآخراً.
وكتبه
حسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرديعان
19/ 9/1425هـ
حائل – حرسها الله
لتحميل كامل الرد المفصل
http://www.fadhaa.com/as/11.zip
المصدر: شبكة فضاء الثقافية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن خير الهدى هدى محمّد صلى الله عليه وسلم ثم صحابته الكرام ثم من تبعهم بإحسانٍ من التابعين الأجلاّء وأئمة الدين وأعلام الهُدى ومنارات الإسلام، واقتفى أثرهم ووسعه ما وسعهم فلم يحد عمّا كانوا عليه من العمل والقول والفهم، فبهذا يكون المسلم مرتاح الضمير، ومعذورٌ أمام الله سبحانه وتعالى في اتباعه لهم، وقد أغلق في ذلك الباب على الشيطان خشية أن يوصله إلى الابتداع أو اتباع غير هُداهم.
والمسلم مفتاح للخير مغلاقٌ للشر، والحكمةُ ضالته أين ما وجدها فهو أحق بها. وخط رجعته مفتوح متى ما رأى الحق اتبعه، وعمل به، وأين ما وجد الصواب أخذه وقال به، لا يحيده عن ذلك بَطَرٌ أو هوى، ولا يضيرهُ ذلك أمن صغير أو كبير صدَر، أو مِن أقل أو أكثر منه قيمةً بدَر.
وما السبيل الموصل إلى الحق إلا الكلمة الطيبة والدليل الناصع والحجة الواضحة مع فهم سليم وقلب بعيد عن الهوى وحب الذات، ودعوة صادقة يسألها المسلم لنفسه من الله تعالى بأن يريه الحق ويرزقه اتباعه، ويريه الباطل ويرزقه اجتنابه، مهما بلغ من مراتب الفهم والعلم والوضوح والبيان، فعقل الإنسان وفهمه مظنة الخطأ.
بهذه المبادئ العظيمة التي رسمها التشريع لنا يستطيع المسلم الوصول إلى الحق مهما وقفت العقبات أمامه شامخة _ إن كان يريد اتباع الحق _ وإلا فهو يقول مالا يفعل ويدعي مالا يعي.
وقد يكون الحق الذي اختلفت عليه عقول البشر بطلبه أو ادّعائه في أمر لا مكان للاختلاف فيه، وقد يكون ذلك أيضاً في أمرٍ المكان فيه للاختلاف ساحةٌ رحبةٌ يمكن للعقل أن يصول ويجول فيها، فلتفرّق أيها العقل بين ما يمكن أن تخوض فيه ومالا يمكن أن تخوض فيه.
وما يمكن للعقل أن يخوض فيه يكون ذلك بتوضيح البراهين والنقاش العلمي البعيد عن كل آفةٍ تؤول به إلى وحل التنازع المقيت والبلَد الذهني المُميت.
¥