وإني أسألُ الله تعالى أن يوفقني في حواري مع الأخ القدير ممدوح بن متعب الجبرين إلى المعاني العظيمة التي رسمها لنا الشرع في مخاطبة المسلم أخيه المسلم، ففي الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه " متفق عليه.
فالأخ الكريم ممدوح بن متعب الجبرين نظّر تنظيراً فريداً لم يأت به أحدٌ من قبل، وقعّد تقعيداً جديداً لم يُسبق إليه حول مسألة تسمية ليلة القدر تسميةً مرتبطةً بليلة الثلاثاء وإبطال كل ما ترتب على خلاف ذلك.
وهو حفظه الله عُرف بالصلاح، وما هذا التنظير الذي نظّره والتقعيد الذي قعّده إلا لنية صالحةٍ في سويداء قلبه، أراد بها الخير ما استطاع، والله يجازي المجتهد على قدر اجتهاده.
وفي عام 1424هـ رأيت بحث الأخ الكريم الذي راج بين الناس، ووقع في نفسي ما وقع من الغرابة والدهشة ممّا أتى به الأخ العزيز سدد الله خطاه على طريق الحق. فلمّا كان هذا العام 1425هـ الذي أعاد فيه الأخ تنظيره وتقعيده وبحثه، وفُتح الحوار معه عبر ملتقيات فضاء، وتوالت عليه الأسئلة والردود مابين مستنكر ومستفسر ومؤيّد ومعجب، وبإجابات الأخ الكريم على هؤلاء عرفت المزيد عن نظريته وقاعدته بل أكاد أني ألممتُ بكل ما أراد الوصول إليه جزاهُ الله خيراً.
فعرفتُ استدلالاتِه وبراهينَه النقلية والعقلية، وما ساقه فهمه واجتهادهُ إليه، واعتراضاتِهِ وتوجيهاتهِ، وتأويلاته وما إلى ذلك من المسائل الشرعية أو العرفية التي تصح أو تبطل إذا بنيناها على النظرية التي أتى بها، وما يلزم ذلك وما لا يلزم.
ولمّا راج هذا الرأي للأخ العزيز القدير حفظه الله هذا العام بين الناس مرةً أخرى، وأصبح حديث بعض المجالس العامة والخاصة. حُقَّ لمن خالفَهُ أن يبدي وجهة نظره من غير تعصّب ولا تشنيع، والخلاف لا يفسد للود قضية، والاختلاف في العلم لا يورث إيغار الصدور، ولا يولّد الشحناء أو البغضاء.
لذلك لما تيقنتُ ممّا سبق من الأدلة والبراهين والحجج والتوجيهات والاعتراضات التي يعتقد بها الأخ الكريم جازماً صحة ما ذهب إليه شرعتُ في بيان عدم صحة هذا الرأي وهذه النظرية وما ورائها من تلازم وانتقاض في بعض الأحكام الشرعية.
وقد سميت هذا البيان: (حوار هادئ مع الأخ ممدوح الجبرين حول نظريته العقلية في تحديد ليلة القدر)، وأبعدتُ عن هذا العنوان صيغة الرد الجافّة أو السجع المتكلف حتى يكون صدر أخي ممدوح حفظه الله منشرحاً لما أذكر، متيقناً أني لا أبتغي بهذا الحوار إلا وجه الله تعالى والنصح لي وله، والحوار العلمي الهادف البعيد عن كل الآفات. وسمّيته نظرية عقلية وإن كان الأخ الفاضل يستشهد بأشياء محسوسة لكنه بنى هذه الأشياء المحسوسة على تركيبٍ نظريٍ عقليٍ بحت. ولم أدوّن هذا الحوار إلا بعد يقيني أن الأخ ممدوح قد كان في نظريته متيقناً وقاطعاً وجازماً فيما يقول، حيث لو كان ظانّاً أو مستأنساً بنظريته فقط، ما سطرتُ حرفاً واحداً. وأكثرت فيه قضية على فرض التسليم حتى تنحصر الحجج.
فإن كان أخي العزيز ممدوح – وهو كذلك إن شاء الله – رجلاً قد جعل خط الرجعة إلى الحق مفتوح متى ما حاد عن الصواب فليقرأ هذا الحوار، وإن لا فلا.
كما أني لا أدعي العصمة فيه فمتى ما وجد الأخ العزيز القدير ممدوح في كلامي خلل أو نقص أو اعتراض، فليشرع بتبيينه وتوضيحه علميّاً بالطريقة التي يريد وبالأسلوب الذي يبتغي، فإنّ صدري له منشرحٌ ما دامَ توضيحه وتعقيبهُ علميّاً صرفاً.
أخيراً: هذا الحوار مع أخي الحبيب إنما هو مكشوفٌ للناس لا يواريه شيء عنهم، فالأخ ممدوح قد أظهر نظريته للملأ بعد أن تيقن منها كما ذكر سدده الله، وفي إظهاره علامةٌ على قبوله رأي الآخر وإعلانه أنّ هذا اجتهاده، فكان من العدل أن لا يكون هذا الحوار سرّيَّاً بيني وبينه، بل يظهر وينتشر كما انتشر رأيه حفظه الله أمام الناس، فهذا الحوار لا يوجد فيه إلا: قال الله وقال رسوله وقال الصحابة وأئمة الإسلام.
واللهَ أسأل أن يُلهمني وأخي ممدوح والقارئ الكريم الصوابَ، وسلوك الجادة التي وسعت القرون المفضلة ومن بعدهم من السلف الصالحين، وأن يرزقنا حسن القول والعمل، والحمد لله أولاً وآخراً.
وكتبه
حسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرديعان
19/ 9/1425هـ
حائل – حرسها الله
توطئة
¥