ومن الأسباب الشرعية الموهومة اتخاذ بعض الناس أسباباً يظنونها تقربهم إلى الله سبحانه، وهي تبعدهم منه في الحقيقة، وتجلب لهم السخط والغضب، بل واللعنة والعذاب، فمن ذلك استغاثة بعضهم بالموتى المقبورين من الأولياء والصالحين، ليقضوا لهم حوائجهم التي لا يستطيع قضاءها إلا الله سبحانه وتعالى، كطلبهم منهم دفع الضر وشفاء السقم، وجلب الرزق وإزالة العقم، والنصر على العدو وأمثال ذلك، فيتمسحون بحديد الأضرحة وحجارة القبور، ويهزونها أو يلقون إليها أوراقاً كتبوا فيها طلباتهم ورغابتهم، فهذه وسائل شرعية بزعمهم، ولكنها في الحقيقة باطلة، ومخالفة لأساس الإسلام الأكبر الذي هو العبودية لله تعالى وحده، وإفراده سبحانه بجميع أنواعها وفروعها.
ومن ذلك اعتقاد بعضهم الصدق في خبر يتحدث به إنسان ما إذا عطس هو أو أحد الحاضرين عند تحدثه بذلك (1).
ومنها اعتقادهم بأن أحداً من أصحابهم أو أقربائهم يذكرهم بخير إذا طنت آذانهم (2)،وكذلك اعتقادهم بأن بلاء ينزل عليهم إذا قصوا أظافرهم في الليل وفي أيام السبت والأحد (3) ... ، أو إذا كنسوا بيوتهم ليلاً ... ، ومنها اعتقادهم أنهم إذا حسنوا ظنهم بحجر واعتقدوا فيه فإنه ينفهم (4).
فهذه وأمثالها اعتقادات باطلة، بل خرافات وترهات، وظنون وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، وقد رأيت أن أصلها أحاديث موضوعة مكذوبة، لعن الله واضعها، وقبح ملفقها.
وعلى هذا فإن الوسائل الكونية منها ما هو مباح أذن الله به، ومنها ما هو حرام نهى الله عنه، وقد ذكرت فيما سبق أمثلة من هذه الوسائل بنوعيها مما يَهم الناس فيه، ويظنونه مباحاً وموصولاً إلى القصد مع أنه بعكس ذلك، وأذكر فيما يلي بعض الأمثلة على الوسائل الكونية المشروعة وغير المشروعة.
فمن الوسائل الكونية المشروعة للكسب والحصول على الرزق اتخاذ البيع والشراء والتجارة والزراعة والإجارة، ومن الوسائل الكونية المحرمة الإقراض بالربا وبيع العينة والاحتكار والغش والسرقة، والميسر وبيع الخمور والتماثيل، ومن أدلة ذلك قوله تعالى:} وأحل الله البيع وحرم الربا {] سورة البقرة: الآية 275 [.
فكل من البيع والربا سبب كوني لكسب الرزق، ولكن الله تعالى أحل الأول، وحرم الثاني.
كيف تعرف صحة الوسائل ومشروعيتها:
والطريق الصحيح لمعرفة مشروعية الوسائل الكونية والشرعية هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، والتثبت مما ورد فيهما عنها، والنظر في دلالات نصوصهما، وليس هناك طريق آخر لذلك البتة.
فهناك شرطان لجواز استعمال سبب كوني ما، الأول أن يكون مباحاً في الشرع، والثاني أن يكون قد ثبت تحقيقه للمطلوب، أو غلب ذلك على الظن.
وأما الوسيلة الشرعية فلا يشترط فيها إلا ثبوتها في الشرع ليس غير.
فاتخاذ الحيوان في المثال الاسبق وسيلة مزعومة لمعرفة الغيب هو من الناحية الكونية باطل تدحضه التجربة والنظر، ومن الناحية الشرعية كفر وضلال، بين الله بطلانه وحذر منه.
وكثيراً ما يخلط الناس في هذه الأمور، فيظنون أنه بمجرد ثبوت النفع بوسيلة ما تكون هذه الوسيلة جائزة ومشروعة، فقد يحدث أن يدعو أحدهم ولياً، أو يستغيث بميت فيتحقق طلبه، وينال رغبته، فيدعي أن هذا دليل على قدرة الموتى والأولياء على إغاثة الناس، وعلى جواز دعائهم والاستغاثة بهم، وما حجته في ذلك غير حصوله على طلبه، وقد قرأنا مع الأسف في بعض الكتب الدينية أشياء كثيرة من هذا القبيل، إذ يقول مسطرها، أو ينقل عن بعضهم قوله مثلاً: إنه وقع في شدة، واستغاث بالولي الفلاني، أو الصالح العلاني، وناداه باسمه، فحضر حالاً، أو جاءه في النوم فأغاثه، وحقق له ما أراد.
وما درى هذا المسكين وأمثاله أن هذا - إن صح وقوعه - استدراج من الله عز وجل للمشركين والمبتدعين، وفتنة منه سبحانه لهم، ومكر منه بهم، جزاءاً وفاقاً على إعراضهم عن الكتاب والسنة، واتباعهم لأهوائهم وشياطينهم.
¥