تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وننتقل بعد هذا الإجمال إلى الشرح والتفصيل فنقول:

1 – تخليط البوطي في التسوية بين التبرك والتوسل:

لقد قال الدكتور البوطي: (ان التوسل بآثار النبي r أمر مندوب إليه ومشروع فضلاً عن التوسل بذاته الشريفة). وظاهر كلامه أن يقيس التوسل بذاته r قياساً أولوياً على التبرك بآثاره، ويسمى هذا التبرك توسلاً، ويؤكد ما ذكرناه قوله في (ص196) من كتابه المذكور حيث ذكر بعض الروايات التي فيها تبرك بعض الصحابة بآثاره r، ثم قال: (فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية، فكيف بالتوسل بمنزلته عند الله جل جلاله؟ وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين؟).

ولكنه سرعان ما تراجع عن كل ذلك زاعماً أن التبرك والتوسل معناهما واحد، منكراً أنه يقيس التوسل على التبرك، وأن المسألة لا تعدو أن تكون استدلالاً بالقياس، فإن التوسل والتبرك كلمتان تدلان على معنى واحد، وهو التماس الخير والبركة عن طريق المتوسل به، وكل من التوسل بجاهه r عند الله والتوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه أفراداً وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذي ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة، وكل الصور الجزئية له يدخل تحت عموم النص بواسطة ما يسمى بتنقيح المناط عند علماء

الأصول).

والحقيقة أن ظاهر كلام الدكتور الأول كان أهون بكثير من كلامه الأخير هذا، لأن التوسل يختلف اختلافاً بيناً عن التبرك، ومن يسوي بينهما فإنه يكون قد ارتكب خطأ شنيعاً، ووقع في جهل فظيع بالحقائق الشرعية، مما لا يجوز أن يقع في طالب علم يحترم نفسه.

إن التبرك هو التماس من حاز أثراً من آثار النبي r حصول خير به خصوصية له r، وأما التوسل فهو إرفاق دعاء الله تعالى بشيء من الوسائل التي شرعها الله تعالى لعباده، كأن يقول: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك r أن تغفر لي، ونحو ذلك. ويتبدى هذا الفرق في أمرين:

أولهما: أن التبرك يرجى به شيء من الخير الدنيوي فحسب، بخلاف التوسل الذي يرجى به أي شيء من الخير الدنيوي والأخروي.

ثانيهما: أن التبرك هو التماس الخير العاجل كما سبق بيانه، بخلاف التوسل الذي هو مصاحب للدعاء ولا يستعمل إلا معه.

وبياناً لذلك نقول: يشرع للمسلم أن يتوسل في دعائه باسم من أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى مثلاً، ويطلب بها تحقيق ما شاء من قضاء حاجة دنيوية كالتوسعة في الرزق، أو أخروية كالنجاة من النار، فيقول مثلاً: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بأنك أنت الله الأحد، الصمد، أن تشفيني أو تدخلني الجنة ... ، ولا أحد يستطيع أن ينكر عليه شيئاً من ذلك، بينما لا يجوز لهذا المسلم أن يفعل ذلك حينما يتبرك بأثر من آثاره r، فهو لا يستطيع

ولا يجوز له أن يقول مثلاً: (اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بثوب نبيك أو بصاقه أو بوله أن تغفر لي وترحمني .. ومن يفعل ذلك فإنه يعرّض نفسه من غير ريب ليشك الناس في عقله وفهمه فضلاً عن عقيدته ودينه. وظاهر كلام الدكتور أنه يجيز هذا التوسل العجيب، ويعده هو والتبرك بأثر من آثار النبي r شيئاً واحداً، وهو بهذا يخلط خلطاً قبيحاً، ومع ذلك

لا يخجل من اتهام السلفيين بأنهم يخلطون خلطاً عجيباً لا مسوغ له، فقد علم القراء من الذين يخلط ويخبط خبط عشواء.

إن هذا ليذكرنا حقاً بالمثل العربي القائل: رمتني بدائها وانسلّت. وصدق النبي الكريم r حيث يقول: p إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تسنح فاصنع ما شئت i(1).

وثمة ملاحظة هامة وخطيرة في كلام الدكتور السابق، وهي أنه يدعي ثبوت مطلق التوسل بالأحاديث الصحيحة، وهذا باطل، لأنه ليس أكثر من افتراض ودعوى مجردة لا حقيقة لها إلا في ذهنه، إذ لم يثبت من التوسل المتعلق بالنبي r إلا دعاؤه r كما تقدم في ثنايا هذه الرسالة، واما التوسل بجاهه r أو آثاره فلم يثبت منه شيء البتة في كتاب أو سنة، ونحن نطالب الدكتور أن يدلنا على حديث واحد ثابت، فيه هذه الدعوى، ونحن على يقين أنه لن يجد شيئاً من ذلك، فقد عوّدنا على تقرير أحكام ضخمة دونما دليل (خبط لزق)! وادعاء دعاوى عريضة لا تقوم على أساس إلا أنها بدت له هكذا، وحسب القارىء له أن يؤمن بما يقول ويسلم له تسليماً، وإياه ثم إياه أن يسأله عن الدليل، لأن ذلك من قلة الأدب، ورقة الدين، وطريقة السلفيين، والعياذ بالله. فتأمل!

2 – بطلان التوسل بآثار النبي r :

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير