والقرآن قد ثبت بالنقل المتواتر، ومن المعلوم بالضرورة - للموافق والمخالف - أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنه كلام الله لا كلامه، وأنه مبلغ له عن الله، وكان يفرق بين القرآن، وبين ما يتكلم به من السنة، وإن كان ذلك مما يجب اتباعه فيه تصديقاً وعملاً.
فإن الله أنزل عليه الكتاب والحكمة، وعلَّم أمته الكتاب والحكمة.
كما قال سبحانه وتعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} [البقرة: 231].
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم} [النساء: 113]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)).
والإنجيل يشبه السنة المنزلة، فإنه قد يقع في بعض ألفاظها غلط، كما يقع في كتب السيرة وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، ثم هذه الكتب قد اشتهرت واستفاضت بين المسلمين، فلا يمكن أحداً - بعد اشتهارها وكثرة النسخ بها - أن يبدلها كلها؛ لكن في بعض ألفاظها غلط وقع فيها قبل أن تشتهر، فإن المحدث - وإن كان عدلاً - فقد يغلط، لكن ما تلقاه المسلمون بالقبول والتصديق والعمل من الأخبار فهو مما يجزم جمهور المسلمين بصدقه عن نبيهم.
هذا مذهب السلف، وعامة الطوائف، كجمهور الطوائف الأربعة، وجمهور أهل الكلام من الكلابية والكرامية والأشعرية وغيرهم، لكن ظن بعض أهل الكلام أنه لا يجزم بصدقها لكون الواحد قد يغلط أو يكذب، وهذا الظن إنما يتوجه في الواحد الذي لم يعرف صدقه وضبطه.
بخلاف أهل الكتاب فإنه لا يوجد فيهم الإسناد الذي للمسلمين، ولا لهم كلام في نقلة العلم، وتعديلهم وجرحهم، ومعرفة أحوال نقلة العلم ما للمسلمين، ولا قام دليل سمعي ولا عقلي على أنهم يجتمعون على خطأ.
ومن قال إنه غير بعض ألفاظ التوراة والإنجيل بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء يقولون إنه كان في التوراة والإنجيل وغيرهما ألفاظ صريحة، منها: اسم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه عمد بعض أهل الكتاب فغيروا بعض الألفاظ في النسخ التي كانت عندهم، ولا يقولون: إن هؤلاء غيَّروا كل نسخة كانت على وجه الأرض، لكن غيروا بعض ألفاظ النسخ، وكتب الناس من تلك النسخ المغيرة نسخاً كثيرة، انتشرت فصار أكثر ما يوجد عند كثير من أهل الكتاب هو من تلك النسخ المغيرة.
وفي العالم نسخ أخرى لم تغير، فذكر كثير من الناس أنه رآها وقرأها، وفي تلك النسخ ما ليس في النسخ الأخرى، ومما يدل على ذلك أنك في هذا الزمان إ ذا أخذت التوراة الموجودة عند اليهود والسامرة وجدت بينهما اختلافاً في مواضع متعددة.
والتبديل في التفسير عندهم أمر لا ريب في وقوعه، وبه يحصل المقصود في هذا المقام فإنا نعلم قطعاً أن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم مكتوب فيما كان موجوداً في زمنه من التوراة والإنجيل كما قال سبحانه وتعالى في كتابه: {الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157].
وأما هذه الأمة فقد حفظ الله لها ما أنزله عليها، من القرآن والسنة كليهما؛ كما قال سبحانه وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].
فما في تفسير القرآن، أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط فإن الله يقيم له من الأمة من يبينه، ويذكر الدليل على غلط الغالط، وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، إذ كانوا آخر الأمم فلا نبي بعد نبيهم، ولا كتاب بعد كتابهم.
وكانت الأمم قبلهم إذا بدلوا وغيروا بعث الله نبياً يبين لهم ويأمرهم وينهاهم، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، وقد ضمن الله أنه يحفظ ما أنزله من الذكر، وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة؛ بل أقام الله لهذه الأمة في كل عصر من يحفظ به دينه من أهل العلم والقرآن، وينفي به تحريف الغالين وانتحال المضلين وتأويل الجاهلين)) [انتهى كلامه بتصرف واختصاركثير من: الجواب الصحيح: 3/ 9 ـ 54].
- وانظر أيضاً كلاماً مختصراً له رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم (ص/8) ط / الفقي.
- وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[29 - 12 - 03, 03:08 ص]ـ
جزاك الله خير ابا عمر وزوجك من حسان الدنيا وحور لآخره.
والحمدلله ان صدق ما ظننته في شيخ الاسلام فحاله اعظم من ان ينكر تحريف اللفظ بالمرة.
فسعة اطلاعه على الواقع والنص تأبى هذا.
وجزاك الله خيرا مرة اخرى فقد كنت في حاجة هذا النص جدا.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[29 - 12 - 03, 05:19 ص]ـ
آمين ...
ولك مثل ما دعوت أخي الفاضل زياد ..
ولكن تنبّه إلى أنَّ ما نقلته من كلام شيخ الإسلام إنما هو اختصار وتصرف،كما أشرت إلى ذلك.
فقد تحتاج للأصل لتنقل منهه إن أردت التنصيص والنقل الحرفي عنه رحمه الله.
¥