ثم قال ما نصه: وقد أَغفل متى ومرقس بعض حوادث وأُمور تتعلق بسيرة المسيح وقام بعض الكتبة واختلقوا ترجمة مموهة ليسوع المسيح، وكثيرًا ما فاتهم فيها الرواية والتدقيق، فبعث ذلك بلوقا على وضع إنجيله ضنًا بالحق فكتبه باليونانية وجاء كلامه أَصح وأَفصح وأَشد انسجامًا من كلام باقي مؤلفي العهد الجديد. وذهب كثير من المحققين إلى أَنه كتب إنجيله في السنة 53 للمسيح. وقيل بل سنة 51.
ثم ذكر الخلاف في المكان الذي كتبه فيه وبين غرضه منه فقال في آخره:-
وأَن يكشف النقاب عن الأَغلاط المدخولة في تراجم حياة المسيح المموهة –أَي الأَناجيل التي ردتها الكنيسة بعد- وينفي كل ركون إليها، ثم يبين أَنه كان يحمل إنجيلي متى ومرقس وأَنه اقتبس منها ما وافقهما فيه. ثم عقد فصلا لما اعترض به على ما حذفوه وأَسقطوه من هذا الإنجيل لأَنهم رأَوه لا يليق بالمسيح أو لعلة أُخرى.
وقال الدكتور بوست في قاموسه: ظن بعضهم أَنه – أَي لوقا مولود في انطاكية إلا أَن ذلك ناتج من اشتباهه بلو كيوس، قال: ومن تغيير صيغة الغائب إلى صيغة المتكلمين في سياق القصة يستدل على أَن لوقا اجتمع مع بولس في ترواس –أَ ع 16: 1 - وذهب معه إلى فيلبي في سفره الثاني ثم اجتمع معه ثانية في فيلبي بعد عدة سنين –أَ ع 20: 5ر6 - وبقي معه إلى أَن أُسر وأُخذ إلى رومية –أَ ع 28: 20 - ولم يعلم شيء من حياته بعد ذلك.
فلينظر القاريء كيف يستنبطون تاريخه من أُسلوب عبارته التي لم تصل إليهم بسند متصل لا صحيح ولا ضعيف، كما استدلوا على كونه إيطاليًا لا فلسطينيًا من كلامه عن القطرين، ذلك بأَنه ليس عندهم نقل يعرفون به شيئًا عن مؤسسي دينهم.
ثم قال: وظن البعض أَن لفظة انجيل الواردة –3: تي 2: 8 - تدل على أَن بولس أَلف انجيل لوقا لم يكن إلا كاتبًا.
ثم قال:- وقد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أُورشليم وقبل الأعمال ويرجح أَنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أَسر بولس؟ من 58 - 60 م غير أَن البعض يظنون أَنه كتب قبل ذلك .. اهـ.
فأنت ترى من التعبير بلفظ الترجيح والظن ومن الخلاف بين سنة 51 و 53 كما في الخلاصة و 58 و 60 كما أَنه لا علم عند القوم بشيء (وإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ولعل الذين قالوا إن بولس هو الذي كتب هذا الإنجيل هم المصيبون لمشابهة أُسلوبه لأسلوب رسائله باعترافهم. فإن قيل وما تفعل بتحريفه؟ قلت هو كتحريفها وتجد فيه مثل ما تجد فيها من ذكر وضع بعض الناس لأَناجيل كاذبة. ومن لنا بدليل يثبت لنا صدقه هو؟ وأَنى لنا بتمييز هذه الأَناجيل ومعرفة صادقها من كاذبها؟
((إنجيل يوحنا)). تقول النصارى: إن يوحنا هذا هو تلميذ المسيح ابن زبدي وسالومه، ويقول أَحرار المؤرخين منهم غير ذلك كما في دائرة المعارف الفرنسية، ويرجح بعضهم أَنه من تلاميذ بولس أيضًا.
وذكر في الذخيرة ثلاثة أقوال في تاريخ كتابته وهي 64 و 94 و 97 وأَنه كتبه باليونانية ليثبت أُلوهية المسيح ويسدد النقص الذي في الأَناجيل الثلاثة –إجابة لرغبة أَكثر الأَساقفة ونواب كنائس آسية وإلحاحهم عليه أَن يبقى من بعده ذكرًا مخلدًا- ومفهوم هذا أَنه لولا هذا الإلحاح لم يكتب ما كتب، وإذا لبقيت أَناجيلهم ناقصة وخلوا من شبهة على عقيدتهم المعقدة التي لا تعقل، إذ لا توجد الشبهة عليها إلا في هذا الإنجيل الذي هو أَكثر الأَناجيل تناقضًا، وناهيل بجمعه بين الوثنية والتوحيد، وقوله عن المسيح: أَنه إن كان يشهد لنفسه فشهادته حق، ثم قوله عنه في موضع آخر: أَنه وإن كان يشهد لنفسه فشهادته ليست حقًا- إلى أَمثال ذلك.
وقال الدكتور بوست: ويظن أَنه كتب في أَفسس بين سنة 70 و 95. ثم قال في الرد على علماء أوربه الأَحرار ما نصه:
وقد أَنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح. غير أَن الشهادة بصحته كافية: فإن بطرس يشير إلى آية منه 2 بط 1: 14 قابل يو 21: 18 وأَغناطيوس وبوليكريس يقتطفان من روحه وفحواه وكذلك الرسالة إلى ديو كنيتس وباسيلدس وجوستينس الشهيد وتانيانس. وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني وبناء على هذه الشهادة وعلى نفس كتابته الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم أَنه من قلمه. وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم. وهذا الأمر يعسر تصديقه لأَن الذي يقصد به أَن يغش العالم
¥