ولهذا ينبغي أن يكون اهتمامهم بكفاية أهل البيت الذين حرمت عليهم الصدقة أكثر من اهتمامهم بكفاية الآخرين من الصدقة، لا سيما إذا تعذر أخذهم من الخمس والفيء، إما لقلة ذلك، وإما
1 رواه مسلم و أحمد والنسائي والترمذي.
2 رواه الشيخان.
3 رواه البخارى.
4 اخرجه الدارمى والنسائى ومالك، صحيح صحيح الجامع 1660.
5 رواه البخارى تعليقا واحمد، صحيح الجامع 2828.
لظلم من يستولي على حقوقهم، فيمنعهم إياها من ولاة الظلم، فيعطون من الصدقة المفروضة ما يكفيهم إذا لم تحصل كفايتهم من الخمس والفيء 1.
صفات اهل الفيء:
وعلى الآخذين من الفيء من ذوي القربى وغيرهم أن يتصفوا بما وصف الله به أهل الفيء في كتابه حيث قال: ((ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)) الآيات.
فجعل أهل الفيء ثلاثة أصناف: المهاجرين، والأنصار، والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين بقونا بإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربينا إنك رؤوف رحيم.
وذلك أن الفيء إنما حصل بجهاد المهاجرين والأنصار وإيمانهم وهجرتهم ونصرتهم، فالمتأخرون إنما يتناولونه مخلفا عن أولئك، مشبها بتناول الوارث ميراث أبيه، فإن لم يكن مواليا له لم يستحق الميراث، (فلا يرث المسلم الكافر) 2، فمن لم يستغفر لأولئك بل كان مبغضا لهم خرج عن الوصف الذي وصف الله به أهل الفيء، حتى يكون قلبه مسلما لهم، ولسانه داعيا لهم، ولو فرض أنه صدر من واحد منهم ذنب محقق فإن الله يغفره له بحسناته العظيمة، أو بتوبة تصدر منه، أو يبتليه ببلاء يكفر به سيئاته، أو يقبل في شفاعة نبيه وإخوانه المؤمنين، أو يدعو الله بدعاء يستجيب له.
سب الصحابة ... حرام على ال البيت وغيرهم:
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن حاطب بن أبي بلتعة كاتب كفار مكة لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم غزوة الفتح، فبعث إليهم إمرأة معها كتاب يخبرهم فيه بذلك، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث عليا والزبير فأحضروا الكتاب، فقال: (ما هذا يا حاطب؟) فقال: والله يا رسول الله ما فعلت ذلك أذى ولا كفرا، ولكن كنت امرأ ملصقا من قريش، ولم أكن
1 قال أبو تراب: وقال بذلك أبو سعيد الأصطخري قال الرافعي: وكان محمد بن يحيى صاحب الغزالي يفتي بهذا. انظر شرح المهذب للنووي ج6 ص 227.
2قال عبد القادر عطا:لانقطاع الموالاة بينهما لحديث اسامة بن زيد الذى اخرجه احمد والبخارى ومسلم والاربعة.
من أنفسهم، وكان من معك من أصحابك لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأردت أن أتخذ عندهم يدا أحمي بها قرابتي، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع عل أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). وأنزل الله تعالى في ذلك: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة)) الآيات.
وثبت في صحيح مسلم أن غلام حاطب هذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار، وكان حاطب يسىء إلى مماليكه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كذبت، إنه قد شهد بدرا والحديبية). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار واحد بايع تحت الشجرة) 1.
فهذا حاطب قد تجسس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فتح مكة التي كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عن عدوه، وكتمها عن أصحابه، وهذا من الذنوب الشديدة جدا، وكان يسيء إلى مماليكه، وفي الحديث المرفوع، (لن يدخل الجنة سيء الملكة) 2. ثم مع هذا لما شهد بدرا والحديبية غفر الله له ورضي عنه، فإن الحسنات يذهبن السيئات. فكيف بالذين هم أفضل من حاطب وأعظم إيماناً وعلما وهجرة وجهادا، فلم يذنب أحد قريبا من ذنوبه؟!.
¥