تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك فإنّ ما قاله الأخ حنبل من ضرورة بيان انحرافات البعض (الصوفيّة)، والتّأسي بأئمّة المسلمين في التحذير من تلك الانحرافات وأصحابها، هو كلامٌ صحيح ويجب على أهل العلم العمل به، وإلاّ ضاعَ الحق والتبسَ بالباطل. ورَحِمَ الله الإمام يحيى بن معين فقد سألَه حمّاد بن زيد (الإمام) وقال له:" إنَّ فلاناً يُكثر الكلام في الرجال أليست غِيبَة؟؟ فقال ابن معين: يا أحمق هذا دِيْنٌ وتَرْكُه مُحَابَاة ". {يقصد ترك الكلام في الرجال بالجرح والتعديل}.

ـ إنّ النصوص التي ذَكَرها الأخ حنبل نقلاً عن الأئمّة المتقدّمين هي نصوص صحيحة ثابتة مستفيضة في كتب العلماء ولا داعي للتكلّف في ردّها أو تقييدها بقيود لم يذكرها أصحابُ تلك النصوص.

فكل النصوص المنقولة عن الإمام الشافعي رحمه الله مُسنَدَة وصحيحة ومستفيضة في كتب أتباع مذهبه وغيرهم فقد ذكرها البيهقي في كتابه مناقب الشافعي، وابن حجر في كتابه توالي التأسيس في معالي محمد بن إدريس، وعبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي في كتابه مناقب الشافعي، وغيرهم.

وهي نصوص واضحة وعامّة ومطلَقة لم يُقيّدها الشافعي ولا أحد من أصحابه، فلماذا يريد الأخ حارث أن يخصصها بأقوام دون أقوام ويصرفها عن شمولها الذي أراده الشافعي؟

1ـ روى البيهقي في مناقب الشافعي 2/ 208: عن يونس بن عبد الله الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمقَ

2ـ عن الرَّبيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول:

ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص.

3ـ وعن إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال:

لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال كسولٌ أكولٌ نؤوم كثير الفضول.

4ـ وروى ابن الجوزي في تلبيس إبليس صـ 371 عن الشافعي قوله:

"ما لزم أحدٌ الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقلُه أبداً.

أليست هذه النصوص واضحة ودالّة على أنّ مراد الشافعي هو ذم طائفة الصوفيّة جميعها؟ وأنه إذا كان هناك ثَمَّ استثناءٌ فإنه يستثنيه كما في قوله: ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص!!

فللإنصاف أقول: إنّ ردَّ الأخ حارث لهذه النصوص غير مقبول من الناحية العلمية، وفيه تحكّم واضح بكلام الإمام. ولا أدري لماذا أثبتَ قول الشافعي في "التغبير" دون باقي الأقوال؛ هل لأنّ ابن تيمية ذكره فرضي به الأخ حارث؟؟

وأمّا القصّة التي ذَكَرها القاضي عياض في كتابه" ترتيب المدارك " والتي فيها استنكار الإمام مالك لأفعال شيوخ الصوفيّة الذين أُخبِرَ عنهم، فهي قصّة ثابتة عن الإمام مالك بدون أدنى شك، وقد ذكَرَها الكثير من العلماء المالكيّة في كتبهم واستندوا إليها في فتاويهم، وثبوتها مماثلٌ لثبوت كل ما رُوي عن مالك من أقوال وفتاوى وفِقه. والذي يريد إنكارها يلزمه إنكار كل أقوال وفقه مالك رحمه الله!! وإنّك إذا نظرتَ في فتاوى العلماء المالكيّة وجدّتهم يستشهدون بهذه القصة على الفور لأنّهم يعدّونها من المسلّمات في المذهب. فقد سُئلَ فقيهُ بجاية وصالحها أبو زيد سيّدي عبد الرحمن الواغليسي عن مثل هذا السؤال.

فأجابَ عنه بما نصّه:

" قد نصَّ أهلُ العلم فيما ذكرتَ منْ أحوال بعض الناس منَ الرقص والتصفيق، على أنّ ذلك بدعةٌ وضلال. وقد أنكره مالك وتعجّب ممن يفعل ذلك لمّا ذُكر له أنّ أقواماً يفعلون ذلك فقال: أصبيانٌ هم أم مجانين؟! ما سمِعْنا أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا. انتهى المعيار ج11/ 29

ـ ينبغي على طلاّب العلم، بل ويجب، أن يتنبّهوا لأمرٍ هام، وهو أنّ البحث عن إسنادٍ متّصل برواية الثقات التَّامِّي الضبط غير المعلل ولا الشاذ، إنما هو خاصّ بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولايمكن سحبه على كلام غيره، لأنّ ذلك يعسر جداً ويكاد يندر. فأخبار الصحابة وفتاويهم ليس لجلّها أسانيد متّصلة، وكذلك السِّيَر والتواريخ والأشعار والمذاهب الفقهيّة وكتب الأئمّة أين أسانيدها؟ إننا إذا أردنا أن نمحّص كل ذلك على طريقة الأخ حارث همام فلن يمكننا الأخذ بأقوال مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغبرهم! فأين أسانيد أقوال مالك وفقهه؟ وأين سند كتاب الأم للشافعي؟ والرّواة لمذهب أبي حنيفة هما الحسن بن زياد اللؤلؤي ومحمد بن شجاع الثلجي ولم يُوثّقهما أحدٌ من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير