تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد هذا لا ألومك إن رأيت أنه التنيسي ولكن ثبت السند عنه، ولعل الوقوف على بعض المخطوط يفصل النزاع في المسألة. بل العثور على السند سوف يفصل القول في المسألة بمعرفة التلاميذ النقلة وأنا أستبعد أن يروي التنيسي عن مالك خبراً ويغفل إسناده ويهمل فلا يذكر.

وإلى ذلك الحين القصة منقطعة من هذا الطريق لاتثبت فدون الإمام التنيسي والقاضي عياض مفاوز وقرون!

وأما القول بأنه قد رواها هذا ورواها هذا فمحتمل، ولكن يبعد أن يختار ابن الجوزي رواية عبدالملك ورواية ذلك محفوظة مأثورة. والأصل أن لانثبت شيئاً لم يثبت سنده مع احتمال غلطه، فمن أنكر تلك الرواية هو على الأصل الذي هو العدم، ومن نقلها مصوبها مع الاحتمال احتاج إلى أن يبرهن قوله.

ومع هذا أقول يا إخوان –حفظكم الله- لنقل إنها ثبتت عن التنيسي فإن الناقل للخبر المستشهد به رجل مجهول من نصيبيين لاتعرف حاله، حكى قصة أشبه بالطرفة لا تطابق ما عليه صوفية ذلك العصر من التقلل في المأكل وما تواطأ على نقله المحققون من أن أول مبتدأهم الزهد، مع رميهم بأفعال لم تظهر إلاّ في المتأخرين كالرقص! وقد ذكر ذلك ابن الجوزي في تلبيسه عليهم بالتقلل من المأكل، ونص على ما يفهم منه أن الرقص ما ظهر إلاّ متأخراً الشاطبي نفسه وسيأتي إن شاء الله، فهذا يدل على نكارة ما أخبر به ذلك الرجل من أهل نصبيين ولهذا أنكره مالك وقال ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا، مع أنه يعرف الأئمة المنتسبين إلى التصوف في ذلك العصر، والإمام مالك ليس بجاهل منقطع عن الناس تخفى عليه أحوالهم، فهذا كله يدل على أن الخبر منكر، وهو مع نكارته يحكى صورة معينين لايتعداهم الحكم إلى من كان ينكر عليهم ذلك حتى من المتصوفة الذين جاءوا من بعدهم.

أما الزعم بأن هذه القصة مستفيضة فدعوى، وهي مع كونها دعوى، لاحجة فيها كما أشير إليه. ومع ذلك فلو ذكرها ذاكر لأجل الاستئناس بها على أصل صحيح وهو حرمة الرقص وتلك الأفعال المذكورة فلا بأس ولعله لهذا أوردها الشاطبي والوغليسي.

ومن العتاب الذي ينبغي أن يوجه هنا لأخينا الفاضل أبو إدريس:

1 - نقلتم فتوى الشاطبي عن المعيار المعرب لتستدلوا بها على إنكار مالك على صوفية ذلك العصر، ولا أدري لماذا تغافلتم عما نقله قبيل قول مالك من كلام الحارث المحاسبي –قال حارث الهمام: وهو في رسالة المسترشدين- نفسه مستدلاً به على نكارة ما جاء في الفتوى الموجهة إليه من صنيع أولئك المتأخرين؟! ألأن هذا يثبت سلامة أئمة ذلك الصدر من تلك البدعة؟ أرجو أن لايكون كذلك! [انظر آخر الصفحة قبل التي أحلت عليها في المعيار المعرب!]. وهذا الصنيع أشبه بصنيع من نقل عن ابن الجوزي الفتوى من طريق النصيبي وتغافل عما نقله عن أئمة تلك الطبقة من المتصوفة في هذا الصدد –فأين الإنصاف- فابن الجوزي نقل النهي عنه جماعة منهم أبوعلي الروذباري والجنيد وأبوالحسن النوري، بل علق قائلاً: "هذا قول مشايخ القوم، وإنما ترخص المتأخرون حب اللهو فتعدى شرهم من وجهين؛ أحدهما: سوء ظن العوام بقدمائهم لأنهم يظنون أن الكل كانوا هكذا، والثاني: أنهم جرأوا العوام ... " ولكن عين السخط تبدي المساوي!

2 - ذكر الشاطبي في الاعتصام الفتوى المذكورة بنحوها فكان مما قال: "ثم إن الجواب وصل إلى بعض البلدان، فقامت القيامة على العاملين بتلك البدع، وخافوا اندراس طريقتهم وانقطاع أكلهم بها، فأرادوا الانتصار لأنفسهم، بعد أن راموا ذلك بالانتساب إلى شيوخ الصوفية الذين ثبتت فضيلتهم، واشتهرت في الانقطاع إلى الله والعمل بالسنة طريقتهم، فلم يستقر لهم الاستدلال لكونهم على ضد ما كان عليه القوم، فإنهم كانوا بنوا نحلتهم على ثلاثة أصول الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق، والأفعال، وأكل الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال، وهؤلاء قد خالفوهم في هذه الأصول، فلا يمكنهم الدخول تحت ترجمتهم. وكان من قدر الله أن بعض الناس سأل بعض شيوخ الوقت في مسألة تشبه هذه لكن حسن ظاهرها بحيث يكاد باطنها يخفى على غير المتأمل ... " إلخ، فها أنت ترى الشاطبي يقسم المتصوفة إلى ما ترى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير