فبدل أن يُقرّ الأخ حارث بهذا النقل وبوضوح معناه، وبدل أن يُجيب عليه، ذهب إلى مسألة التغبير وأطنبَ فيها، وجعل محور الأقوال كلها يدور عليها، وهذا تحكّم غير مقبول ولا سائغ، ثمّ بعد ذلك يقول لي: " " وإذا كان الأمر كذلك فأبن –أيها الشيخ الكريم- كيف أنزلتَ كلام الإمام الشافعي على أئمة تلك الطبقة؟ والانصاف عزيز." انتهى
وكما ترون تتابع التهم علي، مع أنني بريء منها، وليت شعري من هو البعيد عن الإنصاف والإنصاف في كلامه عزيز؟؟؟ لماذا اللف والدوران؟ والطعن في الآخرين بسوء الظن والكلام على البواطن. هلاّ أجبتَ يا أخ حارث على مقولة الشافعي هذه!!! "
" لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمقَ "
ـ وأمّا مسألة ترجمة الشيخ الجنيد، التي غمزني الأخ حارث بعدم نقلها، فكما قلتُ آنفاً لم يكن غرضي الكلام في ترجمته. ولكن عندما قلتُ إن الجنيد كان له أقوال ليست من معين الهدي النبوي. فذلك لما وردَ في ترجمته عند الذهبي قال: " .... وقيل إنّ بعض المتكلمين؛ ويقال هو ابن كلاب ولم يصح؛قيل له قد ذ كرت الطوائف وعارضتهم ولم تَذْكُر الصوفية؟ فقال لم أعرف لهم علماً ولا قولاً ولا ما راموه. قيل بل هم السّادة وذكروا له الجنيد ثم أتوا الجنيد فسألوه عن التصوف فقال: " هو إفراد القديم عن الحدث، والخروج عن الوطن، وقطع المحاب، وترك ما عُلم أو جُهل،وأن يكون المرءُ زاهداً فيما عند الله، راغباً فيما لله عنده،فإذا كان كذلك حَظاه إلى كشف العلوم، والعبارة عن الوجوه،وعلم السرائر، وفقه الأرواح، فقال المتكلم هذا والله علم حسن فلو أعدته حتى نكتبه قال كلا مر إلى المكان الذي منه بدأ النسيان.
وذكر فصلا طويلا فقال المتكلم إن كان رجل يهدم ما يثبت بالعقل بكلمة من كلامه، فهذا، فإن كلامه لا يحتمل المعارضة ..... انتهى
ـ والسؤال: هل هذا الكلام من السنّة؟ أم هو مُبتَدَع ويخالفها؟ وما حكم قائله؟
وهذه القصّة لم يعترض عليها الذهبي أو يقدح في سندها. بل إنّه أتى على ذكر أبي الحسين النوري صديق الجنيد في أثناء ترجمة الجنيد وذكر الكثير من بدعه وغرائبه، فلماذا لم تذكرها يا أخ حارث؟ ألم يذكر الذهبي أنّه لمّا مات النوري قال الجنيد: ذهب نصف العلم.!!
ثمّ قال وقيل قال النُّوري للجنيد: غَشّشتَهم فَصَدَّروك، ونَصَحْتُ لهم فَرَمَوني بالحجارة.!!! انتهى
لعلّك ستقول إنّ أسانيدها لم تثبت عندي؟ وأقول لك: ألَسْتَ القائل: " غير أنه يحسن التنبيه هنا إلى أن التصوف اصطلاح وأهل هذا الاصطلاح يجمعون على أن أولئك داخلون فيه، وأنت تريد أن تخرجهم منهم لأنك قررت أصلاً لم يسبقك له إمام محقق -[أعني رميهم بالبدعة عموماً لواحد منهم]- مخالفاً لاصطلاح القوم لماذا لأنك اعتقدت أولاً ثم نظرت ثانياً وهذا لاينبغي في حقك. بل ينبغي أن تنظر في اصطلاحهم –عوضاً عن مغالطته- ثم تحكم عليه مفصلاً كما هو شأن المحققين من أهل العلم." انتهى
فهل هذا الكلام يلزمُ غيرك ولا يلزمك؟؟ إنّ أهل هذا الاصطلاح أثبتوا هذا الكلام عن الجنيد والنوري وغيرهما فلماذا ترفضه ولم يرفضه أحدٌ من العلماء المحققين من قبل؟؟
المشكلة يا أخ حارث أنّك تحمل كلامي على غير محمله ولا تعطي نفسك الوقت الكافي لمعرفة ما يريده محاورك، بل تسرع الطعن فيه كما في قولك لي: " لأنك اعتقدت أولاً ثم نظرت ثانياً وهذا لاينبغي في حقك." انتهى
أنا لستُ كما تتخرّص، وأنا لا أبتدع أقوالاً من عندي ولا أفتري على أحد، ومعاذ الله أن أفعل ذلك، الذي أفعله أنني أُثبت ما ذكره أئمّتنا وعلماؤنا وسلفنا الصالح عن أحوال زمانهم وأخبار رجاله هكذا بعمومه، دون الخروج بأحكامٍ فيها تكفير أو ما شابهه. أنا لم أقل أبداً إنّ الشافعي يقصد بكلامه الحكم على الصوفيّة بالزندقة، ولا أظنّ كلامه بحاجة لمزيد من التوضيح، لأنّه واضح لكل من يقرؤه بإمعان وتروٍّ. الزنادقة هم الذين أحدثوا التغبير هذا مراد الشافعي ولا يستطيع أحدٌ أن يُنكر هذا المعنى من كلامه، وليس كل من حضرَ التغبير أو سمعه يكون زنديقاً كما يتوهّم الأخ حارث وينسبه لي!!
¥