إنّ قصّة الإمام مالك في إنكاره على الشطح الصوفي قد رواها إمامان كبيران الأوّل هو القاضي عياض في أقصى المغرب، والآخر هو الإمام ابن الجوزي في أقصى المشرق، وهما متعاصران ولم ينقلها أحدهما عن الآخر! فهذا يدل على أنّ القصّة كانت معروفة في زمانهما ومنشرة في المشرق والمغرب!!. والقاضي عياض ذكرَ في مقدّمة كتابه أنّه يُعوِّل فيه على كُتب من سبقه ككتاب أبي عبد الله التستري المالكي محمد بن أحمد 273ـ 345 وكتاب الإمام المحدث الحسن بن إسماعيل الضراب 313ـ 392.
والإمام ابن الجوزي يروي القصّة ويقول في أوّلها وبإسنادٍ!! وعياض يروي عمّن هو أعلى منه، ولكنهما اختصرا الكلام ولم يذكرا السند كاملاً، ولكن هناك إسنادٌ طبعاً، ولم يرد على حد علمي أي إنكار للقصّة من العلماء المحققين، مع أنّهم قد ردّوا بعضَ ما رواه عياض أو ابن الجوزي، وهناك ردودٌ مطوّلة لشيخ الإسلام ابن تيميّة حول بعض القصص التي رواها عياض (وهي مسندة) ومع ذلك رفضها ابن تيمية رحمه الله وبيّن أسباب ذلك، في حين لم يتعرّض لهذه القصّة بالنقض بل أثبتها عن مالك.
وأنا عندما أقول هذه القصّة ثابتة عن مالك لشهرتها واستفاضتها، لم آتي ببدع من القول ولم أخالف أحداً من الأئمّة، وإنّما أسير على نهجهم، فهذه هي كتبهم يروون فيها تلك القصص وأكثر منها، ويروون أموراً فيها ذكر استتابة بعض العلماء وتكفير البعض وشطط البعض .. دون أن يُطالبوا أحداً باعتقاد تلك القصص والأحداث والتعبّد بها!!
· وإذا أراد الأخ حارث الحجّة والبرهان، فإنّه قد ذكره بنفسه في ردّه عندما ذكر قول
الشيخ ابن تيميّة رحمه الله بخصوص مواقف العلماء الأوائل من الصوفيّة قال: " ثم قال: "وقد تكلم بهذا الاسم قوم من الأئمة كأحمد بن حنبل، وغيره، وقد تكلم به أبو سليمان الداراني، وغيره، وأما الشافعي فالمنقول عنه ذم الصوفية، وكذلك مالك فيما أظن، وقد خاطب به أحمد لأبي حمزة الخراساني، وليوسف بن الحسين الرازي، ولبدر بن أبى بدر المغازلي. وقد ذمَّ طريقهم طائفة من أهل العلم ومن العبّاد أيضاً، من أصحاب أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأهل الحديث والعباد ومدحه آخرون". انتهى
أرأيت يا أخ حارث هذا شيخ الإسلام؛ كما نقلتَ بنفسك؛ يُثبت ذم الصوفيّة على لسان كل من الأئمّة الأربعة وأصحابهم وأهل الحديث والعبّاد. وأنا لم أزد شيئاً على ما قال، فإذا كان كلامي لا يعجبك وكنتَ منصفاً كما تزعم؛ فلماذا لا تتوجّه بالنقد اللاذع لشيخ الإسلام على ما قال؟؟ ولماذا لا تحذّر الناس مما قاله وأثبته من ذمّ الأئمّة المتقدّمين لصوفيّة زمانهم؟؟؟
ولماذا لا تطالب شيخ الإسلام بالأسانيد المتّصلة الصحيحة لإثبات دعواه في ورود ذم الصوفيّة الأوائل على لسان الأئمّة المعاصرين لهم؟؟
بل على العكس أجدك تكثر من النقول عنه والاحتجاج بما يرويه عن بعض أقطاب التصوّف، مع أنّه إمّا يروي الأخبار بدون إسناد، أو بأسانيد لا تصح أبداً!!!!!! وكذلك فعلتَ في نقولك عن الذهبي!!!!!!! فمثلاً:
1ـ قلتَ ناقلاً عن الذهبي: " ونقل أيضاً: " .. أبو عبدالرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن الحضرمي، عن أبيه، قال كنت جالسا عند الجنيد، إذ ورد شاب عليه وجلس ساعة، فأقبل عليه الجنيد فقال له سل ما تريد أن تسأل!
فقال: له ما الذي باين الخليقة عن رسوم الطبع؟
فقال الجنيد: له أرى في كلامك فضولا، لم لا تسأل عن ما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك؟
فأقبل الجنيد يتكلم، وأخذ هو يعارضه، إلى أن قال له الجنيد أي خشبة تفسدها يريد أنه يصلب".انتهى
2ـ ونقلتَ عن ابن تيميّة: " وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلا، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق مثل الجنيد بن محمد سيد الطائفة، وغيره، كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد.
فهذا أصل التصوف ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع .. ".
وعلّقتَ عليه فرحاً به ومعتقداً فيه قائلاً: "فهل هذا الكلام واضح وصريح في مبتدئهم أو لا؟ "
¥