تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ إنّ الذي ينبغي أن يعرفه الأخ حارث وغيره أنه إذا ترجّح لديهم معنىً خاص في منشأ كلمة صوفيّة، فهذا لا يسمح لهم أن يحملوا كلام الآخرين؛ المخالفين لهم في هذا الترجيح؛ على ما ترجّحَ عندهم، ومن باب أولى أن لا يحملوا كلام المتقدّمين الذين سبقوهم بقرون طويلة على فهمهم الخاص!

والذي أحب أن أنبّه الأخ حارث عليه هو أنّ كلمة صوفي وصوفيّة موجودة ومستخدمة قبل الإسلام، ونجد في تراجم رجال الكنيسة النصارى من يوصف بأنّه صوفي! فهم يقولون أغناطيوس الصوفي مثلاً. ولذلك عندما جاء ذلك الرجل من أهل نَصيبين (وهي في شمال بلاد الشام حيث الروم النصارى) للإمام مالك وقال له عندنا قومٌ يُقال لهم الصّوفيّة ثمّ ذَكَرَ أفعالهم العجيبة ... أجابه مالك قائلاً: ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا.

فلو كان مالك يصف أمثال الفضيل بأنه صوفي لَمَا أجاب بذلك الجواب.

وكذلك أقوال الشافعي رحمه الله في ذمّ الصوفيّة لم تكن لتصدر عنه لو كان يعتقد أنّ أمثال الكرخي و الحافي وابن دينار من الصوفيّة.

ومما يساعد على فهم هذا المعنى الذي أُشير إليه قول الإمام سفيان بن عُيينه، المشهور: " مَنْ فَسَدَ من علمائنا ففيه شبهٌ من اليهود، ومَنْ فَسَدَ من عُبّادنا ففيه شبهٌ من النصارى "

قال المناوي في فيض القدير ج 5 صـ 261

: ولهذا كان السلف كسفيان بن عيينة يقولون من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى. انتهى

وقال ابن كثير في تفسيره ج 2 صـ 461

كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. انتهى

فمن هذا المنظار نحن ننظر لقضيّة الصّوفيّة الأولى وما قيلَ فيها وبخاصّة كلام الأئمّة المتقدّمين كمالك وسفيان والشافعي. والحديث في هذا يطول وشرحه يحتاج للكثير من الوقت وظروفي لا تسمح. (وبالمناسبة رأيت برنامجاً عن الصوفيّة في قناة الجزيرة عَرَضوا فيه لقاءً مع زعيم طريقة صوفيّة اسمها "نعمة الله " قال فيه: " إنّ أساتذة الصوفيّة الذين كانوا يؤمنون بوحدة الخالق وبقيم الفروسيّة قَبِلوا الإسلام ولم يقبلوا ثقافة العرب، والسبب في ذلك هو أنّ ثقافة العرب لم تكن آنذاك أي شيء سوى ثقافة قتل وسلب واغتصاب، وربّما حتى اليوم لم يتغيّر الأمر كثيراً. لقد أخذنا رحيق الإسلام وألقينا بقشرته إلى العرب. الأذكياء فقط يعلمون أننا لسنا مسلمين والأغبياء يظنوننا مسلمين مثلهم. انتهى كلامه)

ـ وأنا عندما نبّهت الأخ حارث لقضيّة ما يقصده الشيخ ابن تيمية من القرون الأولى وهي الصحابة و التابعون وأتباعهم وليس المئة الأولى والثانية والثالثة، كنتُ أتكلّم من هذا المنطلق وكلامي لا يُعارض كلام شيخ الإسلام ولم أسقه لأخرم به كلام ابن تيمية كما زعم الأخ حارث؛ لأنّ الرقص الصوفي كان موجوداً عند الصوفيّة ولم يكن موجوداً عند الفضيل والحافي وابن دينار!

وفي الحقيقة فإنني نبّهتُ على ذلك لأنني لمستُ في كلام الأخ حارث شيئاً من الغياب للربط التاريخي المتسلسل، ولطبقات الرجال، فإقحامه للجنيد ضمن الطبقة التي ذمّها الشافعي من الصوفيّة دليل آخر على ذلك لأنّ الجنيد ليس من طبقة الشافعي بل في القرن الذي بعده!! وأما الآخرون كالفضيل والكرخي وهؤلاء فكما قلت لك لم يكن الشافعي يسمّيهم صوفيّة أصلاً!!!!

ـ وأحب أن أسأل الأخ حارث لماذا كل هذا الصخب؟ لقد قلتُ لك إنّ الأسماء التي ذَكَرْتَها في الطبقة الأولى من الصوفيّة جلّهم ليسوا منها ولم يسمّهم علماء التراجم المتخصصون كالذهبي بالصوفيّة، وإنما أوردهم متأخرة الصوفية في أسماء رجالهم وهذا لا يسلّم لهم أبداً، وكما تعلم فإنّ معظم هؤلاء الكتّاب كالسلمي والسراج وأمثالهم من الصوفيّة مجروحون ولا يعوّلُ المهتمّون بالأسانيد على كلامهم!!

فمن بقي إذاً السري السقطي والجنيد وكم .. ثلاثة آخرون أم خمسة؟ طيّب قلنا لك إنهم مستثنون من الذمّ، فلماذا تظهر المسألة وكأنّها ذمٌ للمئات أو العشرات من أمثال الجنيد، ليتك تذكر أسماءهم في تلك الطبقة حتى نعلم عمن تدافع!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير