وأما قولكم بارك الله فيكم: " أرأيت يا أخ حارث هذا شيخ الإسلام؛ كما نقلتَ بنفسك؛ يُثبت ذم الصوفيّة على لسان كل من الأئمّة الأربعة وأصحابهم وأهل الحديث والعبّاد " فيظهر منه أن النص لم يتضح لكم، ولو تأملتم ما نقلته عن شيخ الإسلام من نقول متفرقة لا أظن أن يسبق إليكم هذا الفهم، فالنص يفيد ظاهره مدح إمامنا أبي عبدالله والدرارني للاسم، مع ذم الشافعي ومالك له فيما يظن. ولا أدل على هذا المراد من مخاطبته به طوائف جاء عنه مدحهم. ثم ذكر اختلاف أتباعهم وانقسامهم بين في القوم بين ذام باغ ومادح غال، فتأمل كلامه مراراً وفقك الله. ثم هو رجح التفريق والتقسيم فهل اختار قولاً خارجاً عن أقوال الأئمة وأتباعهم؟
فلا أدري كيف تطالبني بنقد شيخ الإسلام وأنا أرى ما يرى وأقول بقوله في المسألة! وعلقت في قوله مقالاً كاملاً لأبين غلط من ظن أن حكمه على أفراد لا عن طائفتهم ولعله لايزال موجوداً هنا.
وأين في كلام شيخ الإسلام (هذا) إثبات قول للإمام مالك، أو حتى الشافعي حتى أقول أخطأ! يا أخي شيخ الإسلام أكثر تحقيقاً وأجل من ذلك، ولهذا احتاط في عبارته ولم يقل صح عنهم أو نحو ذلك.
أخي الكريم أرجوك أن تعيد قراءة ما نقلته عن شيخ الإسلام في حكمه على تلك القوم بهدوء بغية الانصاف وليس لزاماً أن توافقه لأنه قول شيخ الإسلام. بل إن وجدته موافقاً للحق والصواب فبه قل لذلك لا غير، وإن وجدته مخالفاً له فقل هذا رأيه وأنا أخالفه لما يلي من أسباب.
أما الأقوال غير المسندة فمع أنه لايلزمني في استصحاب براءة مسلم إثبات سند بذلك، إلا أن الأمور الثلاثة التي ذكرت لا مانع من إثباتها لك في تعليق مستقل، ومعها إثبات النقول الواضحة الجلية المتصلة بالأسانيد الصحيحة على التزام القوم بالكتاب والسنة ونبذ ما خالفهما، فهل ستحكم على تلك الطبقة بعدها بأنهم من أهل السنة في الجملة وإن ندت من بعضهم اجتهادات وخرج منها أفراد بأعيانهم؟
أما الكلام في السلمي فلعله لايخفاك فليتك نقلت من كلام المادحين والموثقين كما نقلت عن الذاميين.
وليس معنى كونه ثقة أو صدوق عندي يلزمني بقبول كل ما روى، بل أعلم بأن فيما رواه الموضوع، والضعيف وما أجهل حاله، وإذا أردت أن نناقش بعضها وفقاً لمنهج أهل الحديث فحي هلا، ولكن يلزمك قبل النقاش عدم ذم أحد ببدعة أو فسق أو كفر أو زندقة [وأقول هذا لا لأنك تحكم بالزندقة أو الكفر على تلك الطبقة ولكن الإخراج من دائرة أهل السنة يلزم منه أحد هذه لكل فرد من أفراد تلك الطبقة إلاّ من استثنيتهم] أقول ليس لك ذم أحدهم قبل أن تثبت النص وتثبت دلالته وتثبت ارتفاع العذر وعدم المانع من إنزاله، أما بالنسبة لي فلايلزمني أصل البراءة بشيء من ذلك.
أما قولكم: " إذاً الروايات السابقة التي رواها ابن تيميّة وساقها الأخ حارث همام مستدلاً بها ومنتصراً لها وبها!! غير صحيحة ولا يعوّل عليها أبداً، وخاصّة إذا كان الناقل لها متمسّك بالأسانيد الصحيحة المتّصلة! ومع ذلك فهو يعدُّ نفسه صاحب المنهج الصحيح المتثبّت المسلسل بالأسانيد ".
فإن كنت تعني ما رقمته بـ 1، و2 و3 فلا مانع عندي كما مر من أن أثبت لك مضمون 1، و2 وهو تبرؤ أئمتهم من الحلاج، وعدم عذرهم له بل تكفيرهم له، وأما الثالثة وهي براءة متقدميهم من مذهب الكلابية فهذا كلام أحد أعلم أئمة الشأن في هذا الصدد، وأنت نقلت ذمهم من نحو ابن كلاب، كما أن الأصل براءتهم من مذهبه، فمن المطالب فينا بإثبات الأسانيد وأنت أهل للإنصاف؟
كما أني لم أفهم ماذا تعني بقول إذاً الروايات السابقة .. لا أدري قولك يوهم بأنك ضعفتها مع أنك لم تفعل! فبماذا تتعلق إذاً؟
أما قولكم بورك فيكم: " يقول لي هذا الكلام فقط لأنني قلت إنّه يجب علينا ألا نعالج كل ما يصادفنا من أخبار في السير والتواريخ والأشعار والأدب وأخبار الصحابة والأئمّة بنفس الطريقة التي يُعالج بها الحديث النّبوي الشريف. لأنّ علم الحديث والجرح والتعديل إنّما وُضعا وتوخيَ فيهما شدّة التوثّق لأنّ الأمر يتعلّق بكلام نبي الإسلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فقد فرّق العلماء في معالجة الأسانيد ورجالها بين الحديث والقرآن.
¥