ورأيت في بعض كلام الناس ممن عرف عنه أنه كان يستعين في سهره للعلم والتصنيف والنظر بالخمر فإذا رأى من نفسه كسلا أو فترة شرب منها قدر ما ينشطه وينفى عنه الكسل بل ذكروا فيها أن لها حرارة خاصة تفعل أفعالا كثيرة تطيب النفس وتصير الإنسان محبا للحكمة وتجعله حسن الحركة والذهن والمعرفة فإذا استعملها على الاعتدال عرف الأشياء وفهمها وتذكرها بعد النسيان فلهذا - والله أعلم - كان ابن سينا لا يترك استعمالها - على ما ذكر عنه - وهو كله ضلال مبين عياذا بالله من ذلك) اهـ (الاعتصام للشاطبي)
قال ابن القيم يرحمه الله تعالى:
فاسمع إذا أنواعه هي خمسة ... قد حصلت أقسامها ببيا
توحيد أتباع ابن سينا وهو منسوب ... لأرسطو من اليونان
ما للإله لديهم ماهية ... غير الوجود المطلق الوجدان
مسلوب أوصاف الكمال جميعها ... لكون وجود حسب ليس بفان
ما أن له ذات سوى نفس الوجو د ... المطلق المسلوب كل معان
فلذاك لا سمع ولا بصر ولا ... علم ولا قول من الرحمن
ولذاك قالوا ليس ثم مشيئة ... وإرادة لوجود ذي الأكوان
بل تلك لازمة له بالذات لم ... تنفك عنه قط في الأزمان
******** ********* *******
هذا المعاد وذلك المبدأ الذي ... جهم وقد نسبوه للقرآن
هذا الذي قاد ابن سينا والأولى ... قالوا مقالته إلى الكفران
(القصيدة النونية للابن القيم)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حين أبطل شبه وأباطيل المتكلمة والفلاسفة في مسمى القياس
و " ابن سينا " تكلم في أشياء من الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت إليها عقولهم ولا بلغتها علومهم فإنه استفادها من المسلمين وإن كان إنما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية.
وكان هو وأهل بيته وأتباعهم معروفين عند المسلمين بالإلحاد وأحسن ما يظهرون دين الرفض وهم في الباطن يبطنون الكفر المحض.
وقد صنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كتبا كبارا وصغارا وجاهدوهم باللسان واليد إذ كانوا بذلك أحق من اليهود والنصارى.
ولو لم يكن إلا كتاب " كشف الأسرار وهتك الأستار " للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب وكتاب عبد الجبار بن أحمد وكتاب أبي حامد الغزالي وكلام أبي إسحاق وكلام ابن فورك والقاضي أبي يعلى والشهرستاني.
وغير هذا مما يطول وصفه. والمقصود هنا أن ابن سينا أخبر عن نفسه أن أهل بيته وأباه وأخاه كانوا من هؤلاء الملاحدة وأنه إنما اشتغل بالفلسفة بسبب ذلك فإنه كان يسمعهم يذكرون العقل والنفس.
وهؤلاء المسلمون الذين ينتسب إليهم هم مع الإلحاد الظاهر والكفر الباطن أعلم بالله من سلفه الفلاسفة: كأرسطو وأتباعه؛ فإن أولئك ليس عندهم من العلم بالله إلا ما عند عباد مشركي العرب ما هو خير منه.
وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما أخذه من سلفه.
ومما أحدثه مثل كلامه في النبوات وأسرار الآيات والمنامات؛ بل وكلامه في بعض الطبيعيات وكلامه في واجب الوجود ونحو ذلك.
وإلا فأرسطو وأتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الأحكام التي لواجب الوجود وإنما يذكرون " العلة الأولى " ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به.
فابن سينا أصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض إصلاح حتى راجت على من يعرف دين الإسلام من الطلبة النظار.
وصار يظهر لهم بعض ما فيها من التناقض فيتكلم كل منهم بحسب ما عنده؛ ولكن سلموا لهم أصولا فاسدة في المنطق والطبيعيات والإلهيات ولم يعرفوا ما دخل فيها من الباطل فصار ذلك سببا إلى ضلالهم في مطالب عالية إيمانية ومقاصد سامية قرآنية خرجوا بها عن حقيقة العلم والإيمان وصاروا بها في كثير من ذلك لا يسمعون ولا يعقلون بل يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات.
والمقصود هنا التنبيه على أنه لو قدر أن النفس تكمل بمجرد العلم.
كما زعموه مع أنه قول باطل فإن النفس لها قوتان: قوة علمية نظرية وقوة إرادية عملية فلا بد لها من كمال القوتين بمعرفة الله وعبادته وعبادته تجمع محبته والذل له فلا تكمل نفس قط إلا بعبادة الله وحده لا شريك له.
¥