الموضع السادس في سورة السجدة في قوله تعالى: ? أَمْ يَقولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ مَا لَكُمْ مِن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَآءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ
وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكْمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ? ().
فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الجلال والكمال.
الموضع السابع في سورة الحديد في قوله تعالى: ? هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? ())) ().
أما النوع الثاني: وهو مجيئها معدّاة بـ ((إلى)) فقد ورد في القرآن في موطنين:
الأول في سورة البقرة، قال الله تعالى: ? هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? ().
الثاني: في سورة فُصّلت، قال الله تعالى: ? ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ? ().
والاستواء معناه معلوم في لغة العرب، لا يجهله أحد منهم، والله قد خاطب عباده في القرآن الكريم بكلام عربيٍّ مبين، والاستواء معناه في اللغة العلوّ والارتفاع ().
ولهذا فإنَّ مذهب السلف في الاستواء هو إثباته لله ? كما أثبته لنفسه، وكما أثبته له رسوله ? من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأنَّ الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله، ولا يشبه استواء أحد من خلقه -تعالى الله عن ذلك-، ومعنى الاستواء عندهم العلوّ والارتفاع، ولا خلاف بينهم في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((وكلام السلف والأئمة ومن نقل مذهبهم في هذا الأصل كثير يوجد في كتب التفسير والأصول.
قال إسحاق بن راهويه: حدّثنا بشر بن عمر: سمعت غير واحد من المفسّرين يقولون: ((? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ?: أي ارتفع)) ().
وقال البخاري في صحيحه: قال أبو العالية: ((استوى إلى السماء: ارتفع))، قال: وقال مجاهد: ((استوى: علا على العرش)) ().
وقال الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره المشهور: ((وقال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: استوى إلى السماء: ارتفع إلى السماء، وكذلك قال الخليل بن أحمد)) ().
وروى البيهقي في كتاب الصفات قال: قال الفرّاء: ((ثم استوى، أي صعد، قاله ابن عباس، وهو كقولك للرجل: كان قاعداً فاستوى قائماً)) ().
وروى الشافعي في مسنده عن أنس ? أنَّ النبي ? قال عن يوم الجمعة: ((وهو اليوم الذي استوى فيه ربّكم على العرش)) ().
والتفاسير المأثورة عن النبي ? والصحابة والتابعين مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وتفسير عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدُحيم، وتفسير عبدالرحمن بن أبي حاتم، وتفسير أبي بكر بن المنذر، وتفسير أبي بكر عبد العزيز، وتفسير أبي الشيخ الأصبهاني، وتفسير أبي بكر بن مردويه، وما قبل هؤلاء من التفاسير مثل تفسير أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم، وبقي بن مخلد وغيرهم، ومن قبلهم مثل تفسير عبد بن حميد، وتفسير سُنيد، وتفسير عبد الرزاق، ووكيع بن الجراح فيها من هذا الباب الموافق لقول المثبتين ما لا يكاد يُحصى، وكذلك
¥