تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إليهم الرسل منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم، قال تعالى: ? وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ? ()، وفي المسند من حديث أبي ذر ? قال: قال رسول الله ?: ((لم يبعث الله ? نبيًّا إلاَّ بلغة قومه)) ().

والقرآن الكريم شأنه كذلك، فهو بلسان عربيٍّ مبين، يفهمه المخاطَبون به، فمدلولاته ظاهرة، ومعانيه واضحة، وقد فهمه المخاطَبون به وعقلوا معناه، ولا سيما في أشرف مقاصده وأعظم أبوابه وهو توحيد الله ?، ((ومن المعلوم أنَّ الصحابة سمعوا القرآن والسنة من النبي ?، وقرأوه وأقرأوه مَن بعدهم، وتكلّم العلماء في معانيه وتفسيره، ومعاني الحديث وتفسيره، وما يتعلّق بالأحكام وما لا يتعلّق بها، وهم مجمعون على غالب معاني القرآن والحديث، ولم يتنازعوا إلاّ في قليل من كثير، لا سيما القرون الأولى، فإنَّ النزاع بينهم كان قليلاً جدًّا بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه، وكان النزاع في التابعين أكثر، وكلّما تأخّر الزمان كثر النزاع وحدث من الاختلاف بين المتأخرين ما لم يكن في الذين قبلهم، فإنَّ القرآن تضمّن الأمر بأوامر ظاهرة وباطنة، والنهي عن منَاهٍ ظاهرة وباطنة، ورسول الله ? بيَّن مقادير الصلوات ومواقيتها وصفاتها، والزكوات ونصبها ومقاديرها، وكذلك سائر العبادات، وعامة هذه الأمور نقلتها الأمة نقلاً عاماًّ متواتراً خلَفاً عن سلف، وحصل العلم الضروري للخلق بذلك كما حصل لهم العلم الضروري بأنَّه بلغهم ألفاظها، وأنَّه قاتل المشركين وأهل الكتاب، وأنَّه بُعث بمكة وهاجر إلى المدينة، وأنَّه دعا الأمة إلى أن شهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وأخبرهم أنَّ هذا القرآن كلام الله الذي تكلّم به لا كلامه ولا كلام مخلوق، وأنَّه ليس قول البشر، وأنَّه علمهم أنَّ ربه فوق سمواته على عرشه، وأنَّ المَلَك نزل من عنده إليه، ثم يعرج إلى ربِّه، وأنَّ ربّه يسمع ويرى ويتكلّم وينادي ويحب ويبغض ويرضى ويغضب، وأنَّ له يدَيْن ووجهاً، وأنَّه يعلم السِرَّ وأخفى، فلا يخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض، وأنَّه يقيمهم من قبورهم أحياء بعدما مزّقهم البِلى إلى دار النعيم أو إلى الجحيم)) ().

ثمَّ ((إنَّ الله -سبحانه- وصف نفسه بأنّه بيّن لعباده غاية البيان، وأمر رسوله بالبيان، وأخبر أنَّه أنزل عليه كتابه ليبيّن للناس، ولهذا قال الزهري: ((مِن الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم)) ()، فهذا البيان الذي تكفّل به -سبحانه-، وأمر به رسوله، إما أن يكون المراد به بيان اللفظ وحده، أو المعنى وحده، أو اللفظ والمعنى جميعاً، ولا يجوز أن يكون المراد به بيان اللفظ دون المعنى، فإنَّ هذا لا فائدة فيه، ولا يحصل به مقصود الرسالة، وبيان المعنى وحده بدون دليله وهو اللفظ الدال عليه ممتنع، فعُلم قطعاً أنَّ المراد بيان اللفظ والمعنى.

والله تعالى أنزل كتابه -ألفاظه ومعانيه-، وأرسل رسوله ليبيّن اللفظ والمعنى، فكما أنّا نقطع ونتيقّن أنّه بيَّن اللفظ، فكذلك نقطع ونتيقّن أنّه بيّن المعنى، بل كانت عنايته ببيان المعنى أشدّ من عنايته ببيان اللفظ، وهذا هو الذي ينبغي، فإنَّ المعنى هو المقصود، وأمَّا اللفظ فوسيلة إليه ودليل عليه، فكيف تكون عنايته بالوسيلة أهمّ من عنايته بالمقصود؟، وكيف نتيقّن بيانه للوسيلة ولا نتيقّن بيانه للمقصود؟، وهل هذا إلا من أبين المحال؟

فإنْ جاز عليه ألاّ يبيّن المراد من ألفاظ القرآن، جاز عليه ألاّ يبيّن بعض ألفاظه، فلو كان المراد منها خلاف حقائقها وظواهرها ومدلولاتها وقد كتمه عن الأمة، ولم يبيّنه لها كان ذلك قدحاً في رسالته وعِصمته، وفتحاً للزنادقة والملاحدة من الرافضة وإخوانهم بابَ كتمان بعض ما أنزل عليه، وهذا منافٍ للإيمان به وبرسالته)) ().

وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- أنَّه أكمل به الدِّين وأتمَّ به النعمة، وأمره أن يبلّغ البلاغ المبين كما في قوله تعالى: ? اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً ? ()، وقوله: ? يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ? ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير