تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبيانها، ورووا عن النبي ? أحاديث كثيرة توافق القرآن، وأئمة الصحابة في هذا أعظم من غيرهم مثل عبد الله بن مسعود الذي كان يقول: ((لو أعلم أعلمَ بكتاب الله مني تبلغه آباط الإبل لأتيته)) ()، وعبد الله بن عباس الذي دعا له النبي ? وهو حبر الأمة وترجمان القرآن كانا هما وأصحابهما من أعظم الصحابة والتابعين إثباتاً للصفات، ورواية لها عن النبي ?، ومَن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا، وما في التابعين أجلّ من أصحاب هذين السيّدين، بل وثالثهما في عليّة التابعين من جنسهم أو قريب منهم، ومثلهما في جلالته جلالة أصحاب زيد بن ثابت؛ لكن أصحابه مع جلالتهم ليسوا مختصين به بل أخذوا عن غيره مثل عمر وابن عمر وابن عباس، ولو كان معاني هذه الآيات منفياً ومسكوتاً عنه لم يكن ربانيو الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاماً فيه.

ثم إنَّ الصحابة نقلوا عن النبي ? أنّهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، ولم يذكر أحد منهم عنه قط أنَّه امتنع من تفسير آية، قال أبو عبدالرحمن السلمي: ((حدّثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنّهم كانوا إذا تعلّموا من النبي ? عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل)) ()، وكذلك الأئمة كانوا إذا سُئلوا عن شيء من ذلك لم ينفوا معناه بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية كقول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، فقال: ((الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة))، وكذلك ربيعة قبله، وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس في أهل السنة مَن ينكره ... )) ().

فهذه هي طريقة أئمة السلف أهل السنة والجماعة في هذا الباب وفي جميع أبواب الدين، وقد لخّص الإمام ابن القيم -رحمه الله- طريقتهم هذه بقوله: ((كان أئمة السلف وأتباعهم يذكرون الآيات في هذا الباب، ثم يُتبعونها بالأحاديث الموافقة لها، كما فعل البخاري ومَن قبله ومَن بعده من المصنفين في السنة، فإنَّ الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما يحتجون على صحة ما تضمّنته أحاديث النزول والرؤية والتكليم والوجه واليدين والإتيان والمجيء بما في القرآن، ويثبتون اتفاق دلالة القرآن والسنة عليها، وأنّهما من مشكاة واحدة، ولا ينكر ذلك مَن له أدنى معرفة وإيمان، وإنّما يحسن الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات عن الرسول ? ورثة الأنبياء، ثم يتبعون ذلك بما قاله الصحابة والتابعون أئمة الهدى.

وهل يخفى على ذي عقل سليم أنَّ تفسير القرآن بهذه الطريق خير مما هو مأخوذ عن أئمة الضلال وشيوخ التجهّم والاعتزال كالمريسي والجبّائي والنظّام والعلاّف وأضرابهم من أهل التفرّق والاختلاف الذين أحدثوا في الإسلام ضلالات وبدعاً، وفرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، وتقطّعوا أمرهم بينهم كلُّ حزب بما لديهم فرحون.

فإذا لم يجز تفسير القرآن وإثبات ما دلّ عليه، وحصول العلم واليقين بسنن رسول الله ? الصحيحة الثابتة، وكلام الصحابة وتابعيهم، أفيجوز أن يرجع في معاني القرآن إلى تحريفات جهم وشيعته، وتأويلات العلاّف والنظام والجبّائي والمرّيسي وعبد الجبار وأتباعهم من كلِّ أعمى أعجمي القلب واللسان، بعيد عن السنة والقرآن، مغمور عند أهل العلم والإيمان؟)) ().

ويمكن أن نلخِّص ما تقدّم في ستة وجوه ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فيها أوضح دلالة على أن المعنى معلوم ومطلوب من العباد العلم به:

((أحدها: أنَّ العادة المطَّرَدة التي جبل الله عليها بني آدم توجب عنايتهم بالقرآن ـ المنزّل عليهم ـ لفظاً ومعنىً؛ بل أن يكون عنايتهم بالمعنى أوكد، فإنَّه قد عُلم أنَّه مَن قرأ كتاباً في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك، فإنَّه لا بدَّ أن يكون راغباً في فهمه، وتصوُّر معانيه، فكيف بمن قرؤوا كتاب الله تعالى المنزل إليهم، الذي به هداهم الله، وبه عرّفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغي؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير