تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورجعتُ)) ().

وقال أبو يحيى زكريا الساجي: حدّثنا المزني: قال: قلت: ((إن كان أحدٌ يخرجُ ما في ضميري، وما تعلّقَ به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصِرتُ إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أنَّ أحداً لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟، فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبلَغك أنَّ رسول الله ? أمر بالسؤال عن ذلك؟، قلت: لا، قال: هل تكلّم فيه الصحابة؟، قلت: لا، قال: تدري كم نجماً في السماء؟، قلت: لا، قال: فكوكبٌ منها تعرف جنسَه، طلوعَه، أفولَه، ممّ خُلق؟، قلت: لا، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لستَ تعرفه، تتكلّم في علم خالقه؟!، ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأتُ فيها، ففرّعها على أربعة أوجه، فلم أُصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرّات، تدعُ علمه، وتتكلّف علمَ الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله وإلى قوله تعالى: ? وَإِلهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ? الآية ()، فاستدِلَّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلّف علمَ ما لم يبلغه عقلك، قال: فتبتُ)) ().

وقال القاضي أبو يعلى في كتابه إبطال التأويلات: ((والله إنّا لعاجزون كالّون حائرون باهتون في حدّ الروح التي فينا، وكيف تعرج كلَّ ليلة إذا توفّاها بارئها، وكيف يرسلها؟، وكيف تستقلّ بعد الموت؟، وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربّه بعد قتله؟، وكيف حياة النبيين الآن؟، وكيف شاهد النبي ? أخاه موسى يصلي في قبره قائماً، ثم رآه في السماء السادسة وحاوره، وأشار عليه بمراجعة رب العالمين، وطلب التخفيف منه على أمته؟، وكيف ناظر موسى أباه آدم، وحجّه آدم بالقدر السابق، وبأنَّ اللّوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه؟، وكذلك نعجز عن وصف هيأتنا في الجنة، ووصف الحور العين، فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفياتها؟، وأنّ بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني، فالله أعلى وأعظم، وله المثل الأعلى والكمال المطلق، ولا مثل له أصلا ? آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ?)) ().

وممّا يعين المسلم على قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الباري -سبحانه-، اعتقاده وإيمانه بأنَّ الله أكبر من كلِّ شيء، فإذا اعتقد المسلم وآمن بأنّ الله -سبحانه وتعالى- أكبر من كلِّ شيء، وأنّ كلَّ شيء مهما كبر يصغر عند كبرياء الله وعظمته، علمَ من خلال ذلك علم اليقين أن كبرياءَ الربِّ وعظمتَه وجلالَه وجمالَه وسائرَ أوصافه ونعوته أمرٌ لا يمكن أن تحيط به العقول أو تتصوّره الأفهام أو تدركه الأبصار والأفكار، فالله أعظم وأعظم من ذلك، بل إنّ العقولَ والأفهامَ عاجزةٌ عن أن تدركَ كثيراً من مخلوقات الرب -تبارك وتعالى-، فكيف بالرب -سبحانه-.

ثبت عن ابن مسعود ? أنّه قال: ((بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كلِّ سماء وسَمَاءٍ خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسيِّ خمسمائة عام، وبين الكرسيِّ والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم)) ().

وروي عن زيد بن أسلم ? قال: قال رسول الله ?: ((ما السموات السبع في الكرسي إلاّ كدراهم سبعة أُلقيت في تُرس)) ().

وقال أبو ذر ?: سمعت رسول الله ? يقول: ((ما الكرسي في العرش إلاّ كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض)) ().

وليتأمّل المسلم في عظم السماء بالنسبة إلى الأرض، وعظم الكرسيِّ بالنسبة إلى السماء، وعِظم العرش بالنسبة إلى الكرسيِّ، فإنّ العقولَ عاجزةٌ عن أن تدرك كمال هذه الأشياء أو أن تحيط بكُنْهِها وكيفيتها، فكيف بالأمر إذاً في الخالق -سبحانه-، فهو أكبر وأجلُّ من أن تعرف العقولُ كُنْهَ صفاته أو تدرك الأفهامُ كبرياءَه وعظمتَه، ولهذا جاءت السنةُ بالنهي عن التفكّر في الله؛ لأنّ الأفكار والعقول لا تدرك كنه صفاته، فالله أكبر من ذلك، قال ?: ((تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكّروا في الله ?)) ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير