بارك الله فيك أخي أبا محمد على طرح هذا الموضوع الذي أشاطرك فيه الرأي وأسأل الله أن يزيدك ورعا، إذ أورع الورع فيما أحسب أن يتورع الإنسان – ممن عرف حقيقة نفسه بالأخص عندما يتحدث عن خالقه – أن يتورع عن التوسع في الكلام في صفات الله العزيز المتعال ذي الجلال والإكرام، التي لو أراد الله منا أكثر من الإيمان بها وتفويض كثير من حيثياتها لعالم الغيب والشهادة لفصلها لنا تفصيلا في كتابه، إذ ليس تفصيل بعض الأحكام العملية والسلوكيات الإجتماعية التي جاءت في القرآن الكريم بأهم من تفصيل تلك الصفات الإلهية لو كان تفصيلها مرادا أو معرفة تفصيلاتها مطلوبا منا.
وأود أن أذكر اخوتي بحديث للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو عندي من أعظم الأحاديث – وكل أحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عظيمة – ومن المصابيح التي رزقنا إياها الله عز وجل عن طريق نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتنير لنا الطريق، إذ أن الله تعالى عندما خلق هذه النفس خلقها على فطرة سوية، وهداها النجدين، وألهمها فجورها وتقواها، بحيث تكون في عدد ليس بالقليل من الأمور والمسائل قادرة ولو بنسبة معينة من استشعار الخير والشر أو الصواب والخطأ بالذات إذا سلمت من الآفات والمؤثرات الخارجية.
وهو حديث يدور في فلك المعاني السابقة، وهو ما رواه مسلم في صحيحه:
عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ: أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً مَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ، مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ".
فالبر وهي لفظة تدل على مجامع الخير يكون بحسن الخلق، وأول من يجب على الإنسان أن يحسن خلقه معه هو خالقه عز وجل، بحيث يتصف بالخشية والرهبة من الله، ويحاول استشعارها، وأن يكون حييا ومنكسرا بل ذليلا لله الواحد القهار، فإذا تحقق للإنسان ذلك واستشعره حق الاستشعار فوالله لن يكون جريئا في السؤال عن تفصيلات صفات الله عز وجل فضلا عن أن يكون جريئا في الخوض فيها أو الإجابة عنها.
ومن باب المقارنة بين حال الصحابة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - الذين هم قدوتنا بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - – الذين ما كانوا ليجرؤا على الإكثار من سؤاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وبين حال بعض من يجرؤ على الخوض في تفصيلات صفات خالقه، مع الفارق الكبير بين منزلة الاستحياء من الخالق ومنزلة الاستحياء من المخلوق مهما علت منزلته.
أما الإثم فإن من أبرز علاماته أن النفس البشرية لا تطمئن له حتى لو وقع الإنسان فيه، فإنه داخليا منكرا له مستوحشا منه، أو على أقل تقدير ليس مرتاحا له كارتياحه للبر.
ومن علاماته أيضا أن فاعله لا يحب أن يطلع عليه أحد، ويميل إلى إخفائه عن الناس بالذات عن من يخالفه، وعلى أقل تقدير جرأته في إبدائه وإظهاره أقل من جرأته في إظهار البر.
وإني هنا أتحدث عن نفسي، فكم من مرة ناقشت من يخالفني في موضوع الأسماء والصفات وبعد انتهاء المناقشة والمجادلة اشعر بأني قد جرأت على الله عز وجل، وأني أتيت ببعض كلام في نفسي منه شيء، ووددت لو أني أخفيته ولم أطلع عليه أحدا.
فضلا عن ما يحدث لي من ضيق صدر ووحشة تستدعيني للنطق بكلمة التوحيد والاستغفار وترديد قوله تعالى: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
فأسأل الله عز وجل أن نكون وقافين عند ما أوقفنا ربنا، غير طامعين في معرفة ما خفي أو أشكل على من هو أعلم منا – أقصد بعض العلماء الربانيين -، وأن يجعلنا متبعين لا مبتدعين، مقتنعين لا مقلدين مطلقا، إلا لمن أوجب الله علينا تقليده.
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[08 - 03 - 05, 12:09 ص]ـ
و جزاك الله خيرا يا أبا حمزة
ـ[راضي عبد المنعم]ــــــــ[08 - 03 - 05, 08:37 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء، ووالله انها لفي نفسي تتجلجل منذ ان رأيت بعض الكتابات التي يذكرها بعض الأخوة وفقهم وفقههم الله في هذا الملتقى والتي تتعلق بصفات الباري جل وعلا. أسئلة واشكالات وطروحات لو سمعها الامام مالك لكان منه ماكان، فرحم الله الحال.
الشيخ المطيري حفظك الله: ليتك تضع لنا هذا البحث الرائع مع تكملته في ملف مضغوط، أثابك الله على جهدك وبارك فيك، وهذا هو الدين.
وبعيدًا عن كل خلاف: انظر ما مات عليه أكابر أهل الجدل والفلسفات، حتى تمنى بعضهم أن يموت على عقيدة العجائز، وقال آخر: وها أنا أموت على عقيدة أمي.
وهذه هي عقيدة الفطرة الصافية (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).
فلا نرجو من إخواننا سوى الرجوع للفطرة وفقط.
الشيخ المسيطير: لا زلت مسددًا بارك الله فيكم، ووالله لقد وقع في نفسي أكبر مما وقع في نفسك مما هو في الموضوع إياه، والذي تم إغلاقه، وأرجو الله أن يوفقك وباقي المشرفين إلى حذفه جملة وتفصيلاً أو تهذيبه ليوافق الفطرة، والفطرة فقط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
¥