قِصَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ مَعَ الخَلِيفَةِ أبِي جَعْفرٍ المَنْصُورِ في التوسل باطلة
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[25 - 02 - 04, 09:54 ص]ـ
الحمد لله وبعد؛ لازلنا مع سلسلةِ الدفاعِ عن أئمةِ المذاهبِ الأربعةِ، والردِ على ما تشدق به أهلُ البدعِ من نسبةِ أمورٍ إليهم هي أوهى من بيتِ العنكبوتِ كما قال تعالى: " وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " [العنكبوت: 41]، وهذه القصص التي يوردونها على أهل السنة والجماعة لأمرين:
الأمر الأول: التسويغ لأنفسهم بما يقومون به من البدع باسم الدين.
الأمر الثاني: التلبيس على العامة بأن أئمة المذاهب قاموا بهذه الأمور فلماذا النكير عليهم – زعموا -؟.
ولقد تصدى علماء أهل السنة – ولله الحمد - لمثل هذه الشبهات والقصص المكذوبة بتفنيدها، ونقضها من أساسها.
والقصة التي بصدد ذكرها هي حوارٌ حدث بين الإمامِ مالك والخليفةِ أبي جعفر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، جعلها أهل البدع دليلا على استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم حال الدعاء عنده، ويحتج بها القبوريون على جواز التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته عند قبره.
نَصُ القِصَّةِ:
روى القاضي عياض في " الشفا " (2/ 595 – 596) بسنده فقال:
حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري، وأبو القاسم أحمد بن بَقِي الحاكم، وغير واحد، فيما أجازُونيه؛ قالوا: أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دِلهات؛ قال: حدثنا أبو الحسن علي بن فِهر، حدثنا أبو بكر محمد بن الفرج، حدثنا أبو الحسن بن المُنتاب، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال: " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " [الحجرات: 2].
ومدح قوما فقال: " إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " [الحجرات: 3].
وذم قوما فقال: " إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " [الحجرات: 4].
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً. فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله؛ أأستقبل القبلة وأدنو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى إلى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعك الله؛ قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا " [النساء: 64].
نَقْدُ العُلَمَاءِ لِلقِصَّةِ:
• انتقد شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية نقدا جعل كل من جاء بعده عالةً عليه، فقد انتقدها من عدة أوجه:
• الوجهُ الأولُ: نقدها من جهةِ السندِ:
قال في " الفتاوى " (1/ 228):
فَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً بِإِسْنَادِ غَرِيبٍ مُنْقَطِعٍ رَوَاهَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إجَازَةً ... فذكرها بسندها عن القاضي عياض، ثم قال: قُلْت: وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ مُنْقَطِعَةٌ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حميد الرَّازِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مَالِكًا، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ مَالِكٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ. وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرازي سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ حِينَ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
¥