تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما ذكره من التنصيص على قول اللِّسان واعتقاد القلب بين يدي هذه العقيدة , لأن ما يعتقدُ مطلوبٌ فيه أن يكون في القلب , وأن يكون على اللِّّسان , ولا يقال: إنه لم يذكر الأعمال , فيُشابه مرجئة الفقهاء , لأنه قد ذكر في المقدمة أن الإيمان يكون بالقلب واللسان والعمل.

وكلامُ ابن أبي زيد رحمه الله , هذا مشتملٌ على إثبات ألوهية الله وحده , وعلى النفي لأمور سبعة: نفيُ الإلهية عن غيره , ونفي التشبيه , ونفي النظير , ونفي الولد , ونفي الصاحبة , ونفيُ الشريك.

فقوله (أن الله واحدٌ لا إله غيره) مأخوذ من قوله تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وهو مشتملٌ على بيان أن الله وحدَه هو الإلهُ الحق الذي يجب أن تُفرد له العبادة وأن لا يكون لغيره نصيبٌ منها , ولهذا الأمر العظيم أرسل اللهُ الرسل وأنرل الكتب , كما قال الله عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) , وقال (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) , وقال (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) , فالله خلق الخلق , وأرسل الرسل , وأنزل الكتب لأمرهم بعبادته وحده , وترك عبادة غيره , وهذا النوع من التوحيد – وهو توحيد الألوهية , وهو إفراد الله بالعبادة – هو أحدُ أنواع التوحيد الثلاثة , التي هي توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

فتوحيد الألوهية: توحيد الله بأفعال العبد , كالدعاء والاستغاثة والاستعاذة والذبح والنذر , وغيرها من أنواع العبادة , كلها يجب على العباد أن يخصوا الله تعالى بها , وأن لا يجعلوا له فيها شريكاً.

وتوحيد الربوبية: هو توحيد الله بأفعاله , كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والتصرف في الكون , وغير ذلك من أفعال الله التي هومختصٌّ بها , لا شريك له فيها.

وتوحيد الأسماء والصفات: هو إثباتُ ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الاسماء والصفات على وجه يليق بكمال الله وجلاله , من غير تمثيل أو تكييف , ومن غير تحريف أو تعطيل.

وهذا التقسيم لأنواع التوحيد عرف بالاستقراء من نصوص الكتاب والسنة , ويتضح ذلك بأول سورة في القرآن وآخر سورة , فإن كلا منهما مشتملةٌ على أنواع التوحيد الثلاثة.

فأما سورة الفاتحة فإن الآية الأولى فيها , وهي (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) مشتملةٌ على هذه الأنواع , فإن (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فيها توحيد الألوهية , لأن إضافة الحمد إليه من العباد عبادة , وفي قوله (رَبِّ الْعَالَمِينَ) إثبات توحيد الربوبية , وهو كون الله عز وجل رب العالمين , والعالَمون , هم كل من سوى الله , فإنه ليس في الوجود إلا خالق ومخلوق , والله الخالق , وكل من سواه مخلوق , ومن أسماء الله الرب.

وقوله (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مشتمل على توحيد الأسماء والصفات , والرحمن الرحيم اسمان من أسماء الله يدُلان على صفة من صفات الله , وهي الرحمة , و أسماءُ الله كلها مشتقةٌ , وليس فيها اسم جامد , وكل اسم من الأسماء يدل على صفة من صفاته.

و (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فيه إثبات توحيد الربوبية , وهو سبحانه مالك الدنيا والآخرة , وإنما خصَّ يوم الدين بأن الله مالكُه , لأن ذلك اليوم يخضعُ فيه الجميع لرب العالمين , بخلاف الدنيا , فإنه وُجد فيها من عتا وتَجبر , وقال (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)

وقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيه إثباتُ توحيد الألوهية , وتقديم المفعول وهو (إِيَّاكَ) يُفيد الحصرَ , والمعنى: نخصكَ بالعبادة والاستعانة , ولا نشرك معك أحداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير