وفي الصحيح كذلك: "ما مسني من سفاح الجاهلية من شيء"، ومعلوم أن عقود المشركين لا وزن لها في الإسلام، إذا عقود آباء النبي صلى الله عليه وسلم كانت على المهيع الشرعي، وهذا من دلائل إيمان آبائه صلى الله عليه وسلم.
ثم قد تضافرت الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشد مفتخرا في عدة مناسبات: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. فلو كان آباء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد ولد آدم، كفارا ومشركين، وحاشاهم، فهل يفتخر بهم؟، أيعقل أن يفتخر النبي صلى الله عليه وسلم بالكفار والمشركين؟؟؟؟؟؟؟.
{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} ...
فالقول بأن والدي النبي صلى الله عليه وسلم في النار قول يخشى أن يموت صاحبه على سوء الخاتمة، بل من نافح عن ذلك وذب عنه نكاد نجزم له بذلك كان من كان، فليس فوق النبي صلى الله عليه وسلم أحد، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، بله من دونهم ...
ثم إنه وردت أحاديث بعضها يحتج به أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة الآيات الواردة في أبي جهل أمام ابنه عكرمة، والواردة في أبي لهب كذلك، ناهيك في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم خيار من خيار بنص الحديث، وهم مصطفون من بني كنانة بنص الحديث، وهم مصطفون من بني إسماعيل بنص الحديث، وهم مصطفون من بني نوح بنص الحديث ...
كما ورد في تفسير قول الله تعالى {وتقلبك في الساجدين}، عن بعض السلف أن الله تعالى أقسم بآباء النبي صلى الله عليه وسلم، بل وظاهر الآية لا يحتاج إلى نقل في معناها، فهل يعقل أن يقسم الله تعالى بأهل النار؟؟؟؟؟. إضافة إلى أنه سبحانه وصفهم بالساجدين، فهل الموصزف بذلك مشرك؟. إضافة إلى أن الله تعالى أثنى عليه بآبائه صلى الله عليه وسلم، فهل يثني عليه بالمشركين؟. وقد أقسم تعالى بالبلدة التي نشأ فيها وهي مكة المكرمة، فكانت خير البقاع: {لا أقسم بهذا البلد. وأنت حل بهذا البلد}.
وقال تعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}. ومعلوم أن كلام الحق تعالى قديم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في صلب آبائه، فكيف يعذبهم الحق تعالى وأنهم في النار.
على أن لفظة الأب والوالد في اللغة تعني من جملة ما تعنيه: العم. فلماذا لم تصرف تلك الأحاديث الصحاح إلى أبي لهب؟. واللغة والقياس والقواعد تقبل ذلك، ولا يمكن الجمع بينها وبين النصوص القطعية التي ذكرناها وغيرها الكثير إلا بذلك ...
كما أن لفظة "الأم" لها في اللغة أكثر من عشرة معان، ذكرها الإمام السائح في "تحقيق الأمنية في حديث إنا أمة أمية"، وفي الحديث: "أوتيت جوامع الكلم"، فلماذا لم تصرفوا الأثر إلا على الوالدة وهو يحتمل غير ذلك المعنى؟؟؟.
أين إعمال القواعد العلمية يا ناس، أين العلماء، أين أهل الاستنباط، أين وسائل الترجيح والجمع بين النصوص؟؟؟؟. أم التقليد الأعمى فقط؟؟؟.
على أنه ورد بسند يحتج به أن الله تعالى يخفف على أبي لهب يوما في الأسبوع لأنه أعتق جارية له فرحا بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن كان السبب في ظهوره صلى الله عليه وآله وسلم، وهما أبواه عليهما الصلاة والسلام.
فإن أبي ومالي ثم عرضي===لعرض محمد منكم وقاء
ولا سبيل لمن كان في قلبه ذرة من إيمان، وتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم لشعائر الحق تعالى إلا القول بما قلناه، وما سواه فوسواس الشياطين، وإعراض عن الحق المبين، والدلائل في هذا الموضوع أكثر من أن تحصى، من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع المستوفي الشرائط، أعني إجماع العلماء على أصول المسألة، لا الفرع المذكور.
وإني أعجب كل العجب من أولئك الأئمة الذين تواقحوا على النبي صلى الله عليه وسلم وطعنوا في أبويه الكريمين، وإني لأعتقد أنهم كانوا من كانوا، إن لم يكونوا تابوا في آخر عمرهم فقد ماتوا على سوء الخاتمة ولا كرامة، فليس عندنا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبله من أحد، نحب لحبه، ونبغض لبغضه، ونتألم ممن مسه ونموت من أجله، لا حول ولا قوة إلا بالله إن هذا لبهتان عظيم، ووقاحة ما فوقها من وقاحة.
وقد كان يكفي للمتدخلين في هذا الموضوع الحديث عن الحديث المذكور، صحة وضعفا، وعدم الاستطراد، خاصة وأن المسألة بالنسة للمنكر لغو بحت لا ينبني عليه عمل، وقد كنت وقفت على السؤال، وتمنيت أن لو أجيبَ عنه على مقداره، ولم أرد الدخول خشية أن يستطرد الموضوع إلى ما نحن فيه الآن، أما وقد وصل إلى ما وصل، فلا يجوز لنا السكوت بأي حال.
وإني أدعو إدارة هذا الملتقى إلى غلق هذا الموضوع ففيه جرأة وأي جرأة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قرأت من المقالات أعلاه كلمات تنم عن قلة حياء واحترام للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لا يسكت عنه البتة.
أدعو العلماء، وآل البيت منهم خاصة، والدعاة، وغيرهم من الغيورين على هذا الدين أن يتدخلوا في هذا الأمر، فإنه لا سكوت عليه، والسلام ....
¥