تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[07 - 08 - 05, 03:09 ص]ـ

أما بعد يا ابن خميس؛

1 - فاعلم أنكم من رددتم صريح القرآن الكريم، وما تنزلت من الآيات التي ذكرتها أعلاه وذكرها غيري في شأن أهل الفترة أولا، وفي شأن آباء النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا. وهي آيات محكمة، لا إشكال في معناها ..

2 - ثم رددتم الأحاديث الصحاح الصراح، في الصحيحين وغيرهما من الكتب المحتج بها، من الأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تنسل من طاهر إلى طاهر، والواردة في أهل الفترة وغيرهم، مما يبلغ حد التواتر، وأبطلتموها، ولم تعملوا لها معنى، إلا أن تكونوا استثنيتم الوالدين الكريمين منها .... وهذا عجب.

3 - والأصل لطالب العلم أن يقول: هناك إشكال، هناك آيات محكمة في أهل الفترة، وآيات محكمة في آباء النبي صلى الله عليه وسلم وجدوده. وهناك أحاديث كذلك في الموضوع.

غير أن هناك أحاديث أيضا صحيحة لا يدخلها الشك، في أن أب النبي صلى الله عليه وسلم وأمه ليسا على ذلك؟.

فكيف يمكن الجمع بين النصوص؟، إن قلنا بأنهما في النار، نكون آمنا ببعض الكتاب وكفرنا ببعض، خاصة وأن البعض الآخر جاء في معرض الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن قلنا بأنهما ليسا في النار؛ نكون رددنا الأحاديث الصحاح التي لا تقبل الطعن، وهو رد لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض.

هكذا تكيّف القضية أيها الأخوة الأعزاء، لا بالشتم، والطعن، والاتهام بالصوفية وغير ذلك ....

4 - ثم يرد أمر آخر؛ وهو أن القضية لا يبنى عليها عمل.

5 - ثم أمر آخر؛ وهو أن فيها مسا مباشرا بأعز شيء لدى النبي صلى الله عليه وسلم، ولدى كل عاقل، وهما الأبوان ... والنبي صلى الله عليه وسلم بقي يفتخر بآبائه إلى آخر رمق، بقوله: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. وزجر القائل له، وهو حسان، لأسلنك منهم - يعني قريشا - كما تسل الشعرة من العجين، ونطق عليه الصلاة والسلام بالحديث المذكور أعلاه، "إن الله اصطفى كنانة من العرب ... الحديث"، وهو صحيح كما لا يخفى، وله شواهد عدة.

فلا بد حينئذ من الجمع بين النصوص وعدم رد أي منها، والجمع بين النصوص يستنبط منه أمور؛

1 - إما أن يقال بأن ذلك في أول الشريعة، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم بأنهما مع أهل الفترة. فتكون الآيات والأحاديث الأخرى ناسخة في الموضوع، أو موضحة على الأصح.

2 - وإما أن يقال بأن الله تعالى أحياهما وآمنا به صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن حجر الهيتمي الشافعي في بعض فتاواه بأنه صححه جمع من الحفاظ. وعلى كل؛ فالضعيف يعمل به في مثل هذه الأمور "الفضائل" اتفاقا.

3 - وإما أن يصرف لفظ الأب على العم، ولفظ الأم على الخالة، أو غير ذلك، وهو ما أعمله جل الفقهاء. واللغة لا تمنعه، والنصوص لا تأباه، وظاهر الشريعة يعززه ... بل إنهم من أجل ذلك نص الكثير من المفسرين بأن آزر إنما هو عم إبراهيم عليه السلام لا والده ... راجع التفاسير تستفد، ولم يكن ذلك إلا لأنه من آباء النبي صلى الله عليه وسلم .... والنصوص قطعية في أنهم مطهرون.

هكذا تجمع النصوص، وهكذا يُتعامل مع المتعارض ظاهرا منها، أما أن أرد الحديث؛ فلا وحاشا وألف حاشا، والقائل بأنهما في النار رَد للكتاب والسنة، ورد فقه السلف كابن عباس وغيره، وجمهور فقهاء أهل البيت المتقدمين الذين تعبدنا الله بفهمهم، وورد فيهم حديث الثقلين المشهور الصحيح، فقد أجمعوا على نجاة الأبوين الطاهرين عليهما السلام.

والقائل بالنجاة على المهيع الذي ذكرناه؛ جامع بين النصوص على ما تقتضيه القواعد الأصولية، وهذا هو الفقه، وهذا هو العلم ... أما التقميش، والتلفيق، واتباع المتشابه وترك المحكم، فهذا من شيم الصعافقة، لا من شيم الفقهاء.

وقد تعامل بعض العلماء مع حديث أهل نجد: "أنتم قرن الشيطان منكم يخرج الدجال"، وأنها"أرض الزلازل والفتن"، فقالوا المقصود نجد العراق، لعدم انطباق الوصف - حسب قولهم - على نجد، علما بأنه عند العرب معلوم أن نجدا إذا أطلقت إنما تطلق على نجد المعروفة. ولكن لانتفاء القرائن صرفت إلى نجد العراق وفارس التي هي أرض الزلازل والفتن فعلا ...

ثم إن المسألة حساسة في جانب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنها تؤذيه، ولها مخارج كثيرة يعضدها الكتاب والسنة، وعلى ذلك جمهور الخلف، وجل السلف، بل كل أئمة اهل البيت عليهم السلام، الذين أُمرنا باتباع فهمهم .. ولا يمكن السكوت على أمر يمس ذات النبي صلى الله عليه وسلم وأهله، إذ به أسلمنا، وهو قدوتنا، فداه النفس والوالدان ...

من أجل ذلك قال القاضي الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى، مستدلا بالآية: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} ... بأن المنافح عن أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ملعون ... والكلام كلام إمام مجتهد لا كلامي أنا، نقله مفتوا المذهب في نوازلهم، كالوازاني وغيره، ونقله السيوطي في كتابه في نجاة الأبوين الطاهرين وغيره، فالقائل بأننا لا نفهم الأجدر به أن يطلب العلم من أوله ...

هكذا تكيف الفتوى، وهكذا تستنبط الأحكام، ثم إن المسألة ليست عقدية حتى يلمز القائل بالنجاة، بل من العقيدة شرف أصول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشك في ذلك إلا جاهل أو كافر، أما أنهما في النار فلم يجعلها أحد من العقيدة ....

فطريقة السلف وأهل الحديث رضي الله عنهم هي ما ذكرناه أعلاه، وطريقة أصحاب الأهواء ومن لهم طرف من العلم هي الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه .... وأرجو من أراد التعليق أن يستفهم عن إشكال، أو يستدرك في خطأ، لا السباب والشتائم، خاصة ممن ليس من أهل العلم ... والسلام ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير