3 - "قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير .... " [المائدة19]
أقول- والعون من الله - ردا على ذلك:
هذه الآيات عامة, تتحدث عن مطلق الناس ومطلق القوم, والأحاديث خاصة بأفراد وأناس وأشخاص معينين, فوجب التخصيص لكل من تأمل وكان له قلب, أو ألقى السمع وهو شهيد.
1 - بالنسبة لآية الإسراء, الرسول المقصود فيها, أرجح أنه ما جاء في هذا الحديث: "أربعة يوم القيامة يدلون بحجة ... وذكر النبي (ص) منهم من مات على الفترة ... فيأخذ-أي الله- مواثيقهم ليطعنه, فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار-أي يأمرهم ذلك الرسول بذلك ليختبرهم ويرى مدى طاعتهم لله ومدى استجابتهم لأوامره-, وأكمل الرسول (ص) فقال: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما-أي لطاعته لأمر الله- , ومن لم يدخلها يسحب إليها ".رواه أحمد, وابن أبي عاصم (السنة355) وهو حديث صحيح صحيح, بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة عن النبي (ص). وكذا صححه الألباني في الصحيحة (1432و 2468). ويرد عليهم أيضا بما سيأتي في الفقرات التالية.
2 - احتج بآيات القصص والسجدة و يس, ونسي أو تناسى بقية سياق آية القصص, إذ في الآية48 " أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل .. ", فهذا دليل قاطع دامغ على أن الكثير منهم قد بلغتهم الحجة والرسالة ودعوة التوحيد وشرائع بعض الرسل, فكفروا بكل ذلك. ويؤكد ذلك ايضا إنكار الله عليهم, إذ يقول تعالى: " ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم, أتتهم رسلهم بالبينات .. " [التوبة70] , فأهل الجاهلية-في مجملهم-كانوا على علم بذلك إذا, ولكنه الكبر الذي في قلوبهم, فإنه لا تعمى الأبصار, ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
3 - أما احتجاج فضيلته بآية المائدة, فيرد عليه بما جاء في الفقرة السابقة, إضافة إلى الاية104 من المائدة نفسها .. " قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا, أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا (وهؤلاء هم المقصودون بأهل الفترة, لأنهم لا يعلمون شيئا, ولم يفكروا أصلا في من هو الخالق, وهل لهذا الكون-أصلا- صانع أو مبدع أم لا, أي أنهم لم يدر بخلدهم أو تفكيرهم مثل هذه الأسئلة والأفكار على الإطلاق. هب أنك قد انقطعت بك السبل في صحراء واسعة شاسعة لا تجد فيها أثرا لحياة أو طعام أو شراب, ومرت عليك الأيام والليالي, وذات مرة غلبك النوم فنمت, وعندما استيقظت فوجئت بمائدة منصوبة لك عليها أطايب الطعام والشراب .. , فمنا من يفكر-قبل أن تمتد يدك إليها- في أمرها وأصلها وفصلها, ومن أين جاءت إلى هنا, ومنا من لا يلتفت إلى شيء من ذلك على الإطلاق, فيهجم عليها هجمة الأسد, يفترسها عن آخرها. فمثل الأول مثل من اهتدى بفطرته إلى وجود الله, ومثل الثاني مثل من لم يهتد إلى شيء على الإطلاق, لأن الأمر لا يشغل باله بتاتا ... , فتأمل) ولا يهتدون (وهؤلاء كفار كفرا بينا, لأنهم قد بلغتهم الحجة ودعوة التوحيد, أو تفكروا واهتدوا بفطرتهم إلى أن هناك (الله) , ولكنهم جحدوه بعد اهتدائهم له تعالى اتباعا لأهوائهم أو آبائهم ... بدليل قوله تعالى " لا يهتدون", فهذا معناه أنهم قد وقفوا على شيء يدعوهم إلى الهداية, ولكنهم لم يهتدوا ... فتأمل) ".
ويرد عليه أيضا قوله تعالى " وجعلوا لله .. نصيبا, فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا .. ساء ما يحكمون " [الأنعام13] , فهم يعرفون أن هناك (الله) , ولكنهم يجحدونه. وكذلك قوله تعالى " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله (فهاهم يقرون به تعالى من دون أن يقول لهم النبي (ص) شيئا على الإطلاق) , قل الحمد لله, بل أكثرهم لا يعلمون (أي: لا يعلمون أنهم بإقرارهم هذا قد هدموا عقيدتهم الشركية الفاسدة) " [لقمان25]
وهناك ملحظ آخر أحب إضافته (وهو يحتاج لمناقشة) , فإن كان صحيحا فلله الحمد, وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. الملحظ هو أن المقصود بأنهم "ما آتاهم من نذير من قبلك", المقصود أنهم لم يبعث فيهم خاصة رسول من قبل الله , فالكثير والكثير من الأقوام على مر العصور بعث الله فيهم نبيا أو رسولا خاصة لهم من دون الآخرين, ولم يحدث ذلك لقريش أو عرب الجزيرة العربية. فامتن الله عليهم بأن بعث فيهم رسولا منهم, لهم خاصة وللناس والعالمين عامة. فأصبحوا يفضلون كل من سبقهم من الأقوام, فرسولهم للبشرية كلها, ورسالته خالدة خلود الدهر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ... , فتأمل,
¥