أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: " حيثما مررت بقبر كافر
فبشره بالنار ". فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. و إن
مما يتصل بهذا الموضوع قوله صلى الله عليه وسلم لما زار قبر أمه: " استأذنت
ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، و استأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي ..
" الحديث. رواه مسلم و غيره، و هو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188)
من حديث أبي هريرة و بريدة، فليراجعهما من شاء. و الأحاديث في هذا الباب
كثيرة، و فيما ذكرنا خير كبير و بركة. و اعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس
اليوم و قبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، و تبني ما
فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن فيهم من يظن
أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث و
دلالتها الصريحة! و في اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى
الله عليه وسلم الذي قالها إن صدقوا بها. و هذا - كما هو ظاهر - كفر بواح، أو
على الأقل: على الأئمة الذين رووها و صححوها، و هذا فسق أو كفر صراح، لأنه
يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته و الإيمان به،
إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه،
فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم و أذواقهم و أهوائهم - و الناس في
ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة
، و هذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم
كالغزالي و الهويدي و بليق و ابن عبد المنان و أمثالهم ممن لا ميزان عندهم
لتصحيح الأحاديث و تضعيفها إلا أهواؤهم! و اعلم أيها المسلم - المشفق على دينه
أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث و نحوها مما فيه الإخبار
بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها و
تلقيها بالقبول، لقوله تعالى: * (ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين.
الذين يؤمنون بالغيب) * (البقرة: 1 - 3) و قوله: * (و ما كان لمؤمن و لا
مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .. ) * (الأحزاب
: 36)، فالإعراض عنها و عدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما - و
أحلاهما مر -: إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، و إما تكذيب رواتها
الثقات كما تقدم. و أنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث
أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي - عفا الله عنا و عنه - في بعض
رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، و
حبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما
، فكأنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم!! و قد لا يتورع بعضهم أن يركن
في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم أحيا الله له أمه، و في رواية: أبويه، و هو حديث موضوع باطل عند
أهل العلم كالدارقطني و الجورقاني، و ابن عساكر و الذهبي و العسقلاني، و
غيرهم كما هو مبين في موضعه، و راجع له إن شئت كتاب " الأباطيل و المناكير "
للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1/ 222 - 229) و قال ابن
الجوزي في " الموضوعات " (1/ 284): " هذا حديث موضوع بلا شك، و الذي وضعه
قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن
يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، و يكفي في رد هذا الحديث قوله
تعالى: * (فيمت و هو كافر) *، و قوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح): "
استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ". و لقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة
ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائد
المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322): " كثيرا
ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة و يحاربها، و من وفق علم أن ذلك
مناف للمحبة الشرعية. و الله المستعان ". قلت: و ممن جمحت به المحبة السيوطي
¥