وليس كل من ألَّف أو تكلَّم في مصطلح الحديث، يصبح مؤهلا للخوض في هَذَا الفنِّ الصَّعب الَّذِيْ يحتاج إلى دراسة وممارسة وكدٍّ وكدح حتى يفهم الإنسان طرفه، فكيف بمن يكتفى بتجميع طرق الروايات ثم يقويها ببعضها، أو يخترع منهجا جديدا في التصحيح بكثرة الطرق وإن كانت واهية، بل يفخر أنه صحح حديثا لم يسبقه أحد من أهل الحديث لتصحيحه!.
الحيلة الأولى:
ادَّعى السُّيوطي أنَّ الراوي أخطأ في الحديث إسنادا ومتنا، وأنَّ المتن الصَّحيح هو قول النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنَّار))، وزعم أن معمرا أثبت في ثابت البناني من حمَّاد بن سلمة.
والرَّد على هذه الحيلة كالتَّالي:
1 - أنَّ حمَّاد بن سلمة أثبت النَّاس في ثابت البناني، وهذه أقوال أهل الشَّأن في ذلك:
قال الإمام ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي:
أصحاب ثابت البُناني:
وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات، الطبقة الأولى: الثقات:
كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، ومعمر.
وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت حماد بن سلمة
قال أحمد في رواية ابن هانئ: ((ما أحد روى عن ثابت أثبت من حماد بن سلمة)).
وقال ابن معين: ((حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني)).
وقال أيضاً: ((حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت، ومن خالف حماد ابن سلمة في ثابت فالقول قول حماد)).
وقال ابن المديني: ((لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم من بعده سليما بن المغيرة، ثم من بعده حماد بن زيد، وهي صحاح)) يعني أحاديث هؤلاء الثلاثة عن ثابت.
وقال أبو حاتم الرَّزاي: ((حماد بن سلمة في ثابت وعلي بن زيد أحب إلىّ من همام، وهو أحفظ الناس، وأعلم بحديثهما، بيّن خطأ الناس)). يعني أن من خالف حماداً في حديث ثابت وعلي ابن زيد قدم قول حماد عليه، وحكم بالخطأ على مخالفه.
وحكى مسلم في كتاب التمييز: ((أجماع أهل المعرفة على أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، وحكى ذلك عن يحيى القطان وابن معين وأحمد وغيرهم من أهل المعرفة))
وقال الدار قطني: ((حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت)).
2 - أن معمرا مضطرب في حديث ثابت البناني:
قال ابن المديني: ((في أحاديث معمر عن ثابت أحاديث غرائب ومنكرة، وذكر علي أنها أحاديث أبان بن أبي عياش)).
وقال العقيلي: ((أنكرهم رواية عن ثابت معمر)).
وقَالَ ابن معين: ((حديث معمر عن ثابت مضطرب كثير الأوهام)). ا. هـ
ادَّعى السيوطي أن معمرا رواه عن ثابت بغير هَذَا اللفظ
أقول لعل هذه الرواية لا توجد إلا في مخيلة السيوطي، وعلى من ينتصر لقول السيوطي أن يأتينا بهذا الطريق أو يلتزم الصمت.
أمَّا رواية ((حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنَّار)) فالصواب أنها من مراسيل الزهري، وإن صحح الوصل بعض المشتغلين بالتصحيح والتضعيف، وإليك تفصيلها بصورة واضحة مختصرة:
هذا الأثر له أسانيد عدة وهي ترجع إلى طريقين:
الطريق الأول: إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ورواه عن إبراهيم بن سعد ثلاثة هم:
1 - محمد بن أبي نعيم الواسطي عند الطبراني في الكبير (1/ 145)
2 - يزيد بن هارون عند البزار في المسند المعلل (3/ 299)، وابن السني في عمل اليوم والليلة 595، والضياء في المختارة (3/ 204)
3 - أبو نعيم الفضل بن دكين عند البيهقي في دلائل النبوة (1/ 191)
وخالفهم محمد بن إسماعيل
فرواه عن يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
كما أخرجها ابن ماجه في السنن (1573) وهي رواية شاذة خالف فيها إسماعيل رواية الثِّقات السابقين.
الطريق الثاني: عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم
أخرجه معمر بن راشد البصري في الجامع _ الملحق بالمصنف _ (10/ 4549)
الحكم عليه:
الصواب أن الرواية المرسلة هي الأصح
لأن معمرا أوثق في الزهري من إبراهيم بن سعد وكلام الضياء في المختارة (أن المرسل يشد من المتصل) كلام غير صحيح أبدا، وهو إلى الخلط أقرب منه على الصواب، فكيف يستشهد بالطريق الصحيح للطريق الخاطيء!
وقد حكم بصحَّة المرسل إمامين من أئمة العلل هما:
1 - أبو حاتم الرازي في العلل (2/ 256)
¥