تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما الطرف الآخر في تلك المناظرات الفضائية وهو فضيلة الشيخ/ عدنان عرعور، فهو إن شاء الله مأجور مشكور على جهاده ونصرته لعقيدة السلف وذبه عن شخص عَلَم من كبار أعلام الأمة، وقد لمس الناس كلهم صدقه وحرصه على هداية العامة وعدم التشويش عليهم، واجتهد كثيراً في دحض شبهات المخالف، ووفِّق في إفحام خصمه في مواضع كثيرة، وشرح مجمل اعتقاد أهل السنة بطريقة ميسرة، حتى يعقله العامة.

غير أني وجدت الشيخ عدنان – وفقه الله وسدد على الحق خطاه – قد خانته العبارة أحياناً في رده على شبهات المخالف، وكرر القول بأن شيخ الإسلام قد أخطأ في مسائل، منها إثباته لقعود الرب على الكرسي، وإقعاده النبي صلى الله عليه وسلم معه يوم القيامة. وهاتان المسألتان ليستا من مفردات ابن تيمية، ولا من شذوذه عن الأئمة كما يفهم من عبارة فضيلة الشيخ عدنان، بل قد صرح أئمة السلف المتقدمون بإثباتها واتفقت كلمة جمهورهم عليها، ولم يخالفهم إلا عدد يسير من المتقدمين، لا يصلح أن يعارض بقولهم قول ذلك الجمع الغفير والعدد الكثير، كما سيأتي توضيحه وبيانه.

هذا وليعلم بأني لا أقصد بمقالي هذا غمط الشيخ عدنان فما منا إلا راد ومردود عليه، والظن فيه وفي غيره من إخواننا الرجوع إلى الحق وهي فضيلة خص الله بها من اصطفاه من عباده.

وأنبه إلى أني قصدت بكتابي هذا توضيح بعض المسائل في الصفات لا الرد على المخالف، فإن ذاك له شأن آخر وموضع آخر، نطيل فيه الكلام على شبهات المخالفين، وندحض فيه باطل مذهبهم، إن شاء الله تعالى.

وقد قسمت الكتاب إلى ثمان مسائل بمنزلة الأبواب، اختصرت الكلام فيها بقدر الإمكان، وما كان فيه من إطناب وإسهاب فهو مما دعت إليه الحاجة أو هو استطراد، والله الموفق والمعين و الهادي إلى سواء الصراط.

المسألة الأولى

مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة الصفات وغيرها هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها وعلمائها من لدن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والتابعين وأتباعهم إلى القرن الثالث وما بعده، وهو محل إجماع منهم، ولم ينفرد شيخ الإسلام بمذهب مستقل عنهم في عامة المسائل في الصفات وغيرها.

وخلاصة هذا المذهب: إثبات ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الله من غير تعطيل ولا تمثيل، كما قال تعالى [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير].

•ولا أعلم أحداً من العلماء من بعد القرون الفاضلة نصر مذهب السلف في عامة المسائل، ووضحه وشرحه ورد على خصومه، كشيخ الإسلام رحمه الله.

ومما قاله جواباً لسؤال سائل عن قوله في آيات الصفات ((قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره .. )) انظر المجموع [5/ 6].

واسمع لقوله رحمه الله في المخالفين لمذهب السلف ((كيف يكون هؤلاء المحجوبون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .. وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا ... وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة)). انظر المجموع [5/ 11].

•وقد زعم بعض المخالفين أن أهل السنة يمتحنون العامة بمسائل الصفات، ويوردون عليهم ما لا تحتمله عقولهم، وهذا ما اتُّهِمَ به شيخ الإسلام أيضاً، فأجاب ((وأما قول القائل: لا يُتَعرَّض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام: فأنا ما فاتحت عامياً في شيء من ذلك قط)). المجموع [6/ 266].

وقال في موضع آخر ((وإذا كان الرجل قد حصل له إيمان يعبد الله به، وأتى آخر بأكثر من ذلك عجز عنه الأول، لم يُحمَّل مالا يطيق. وإن يحصل له بذلك فتنة لم يُحَّدث بحديث يكون له فيه فتنة)). المجموع [6/ 135].

•وليس عجيباً أن يُمْتَحن شيخ الإسلام بسبب نصرته لعقيدة السلف، فإنه وُجد في عصر كان للمخالفين فيه سلطان وقوة، قريباً مما كان في عصر الإمام أحمد رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير