وفي كتاب "السنة" للإمام عبد الله [ص300] ما نصه ((سئل عما روي في الكرسي وجلوس الرب عز وجل عليه. رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث، أحاديث الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها. حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحق عن عبد الله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال (إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد).
حدثني أبي ناوكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحق عن عبد الله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال (إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي)، فاقشعر رجل، سماه أبي، عند وكيع، فغضب وكيع وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها)) ا هـ.
قال سمير: لو لم يكن ثمة نص في إثبات الجلوس أو القعود، أما يكفي السلفيَّ أن يصرح أمثال هؤلاء الأئمة الأكابر بإثباته؟
أوليست عقيدتنا هي عقيدة سلفنا وأئمتنا: أحمد ووكيع والأعمش وسفيان وأضرابهم؟.
وقد أثبت ابن تيمية وابن القيم هاتين اللفظتين "الجلوس" و "القعود" في مصنفاتهما، وهي ثابتة في نصوص وآثار مرفوعة وموقوفة.
قال شيخ الإسلام ((وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ "القعود" و"الجلوس" في حق الله تعالى، كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد)) ا هـ. المجموع [5/ 527]. وانظر اجتماع الجيوش لابن القيم [108، 109].
وقد شرحت هذه المسألة في كتاب "بيان الوهم والإيهام" في ردي على تضعيف محقق كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد، لهذا الحديث وإنكاره القعود والجلوس، وذكرتها أيضاً في الكتاب الآخر في ردي على الباحثين، والله الموفق وبه أستعين.
المسألة الثامنة
ومما أنكره بعض السلفيين المعاصرين، ما رواه الإمام ابن جرير في تفسيره عن مجاهد بن جبر في تفسير قول الله تعالى [مقاماً محموداً] قال ((يقعده معه على العرش)).
وهذا الأثر رواه جمع من الأئمة في مصنفاتهم، فرواه ابن أبي عاصم في "السنة" [1/ 305] والآجري في "الشريعة" [4/ 1613] والخلال في "السنة" [ص209] وفي مواضع أخرى كثيرة، وذكره الذهبي في العلو في أكثر من موضع [ص 124، 170، 194، 215، 228، 234].
وقال به جمهور علماء السلف، وصححوه وشنعوا على من رده وضعفه وقال به الشيخان ابن تيمية وابن القيم، ولكن لم تسمح نفوس كثير من المعاصرين بإثباته، ومنهم الشيخ عدنان في هذه المناظرة وفي المناظرة السابقة، ووافقه على الإنكار الشيخ عبد الرحمن الدمشقية غفر الله لهما.
وممن صرح بصحة هذا الأثر وقبوله الآجُرِّي في "الشريعة"، وذكر أن الشيوخ من أهل العلم قبلوه بأحسن قبول. انظر "الشريعة" [4/ 1612 - 1617].
وذكر الذهبي في العلو [ص 170] أسماء عدد ممن قبله من الأئمة ومنهم: الإمام أحمد وأبو داود السجستاني وإبراهيم الحربي وعبد الله بن الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ونقل عن الأخير قوله ((ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا)).
وذكر الذهبي في العلو [ص194] أسماء آخرين غيرهم، منهم: أبو بكر المروذي، وعباس الدوري، ويحيى بن أبي طالب وغيرهم. وذكر في [ص234] قول الدارقطني:
حديث الشفاعة في أحمد إلى أحمد المصطفى نسنده
وأما حديث بإقعاده على العرش أيضاً فلا نجحده
أَمِرُّوا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده
قال سمير: ومن تتمة هذه الأبيات مما لم يذكره الذهبي – رحمه الله- قوله:
ولا تنكروا أنه قاعد ولا تنكروا أنه يقعده.
ونقل في [ص228] عن الطبراني أنه أثبته أيضاً. وذكر ابن القيم في "اجتماع الجيوش" [ص194] قول ابن جرير الطبري في كتابه "صريح السنة" في إثبات هذا الأثر. وساق ابن القيم في بدائع الفوائد [4/ 39] أسماء آخرين بلغ عددهم الثلاثين، ممن قبلوا أثر مجاهد، منهم: إسحق بن راهويه وهارون بن معروف والمروزي وبشر الحافي وغيرهم، ونقل أبيات الدارقطني السابقة.
•وساق الخلال في كتاب "السنة" [ص209 – 266] روايات عن جمع كبير من الأئمة في إثبات هذا الأثر، وروى عن أبي داود صاحب السنن قوله ((من أنكر هذا فهو عندنا متهم)). وعن أبي بكر المقرئ ((من ذكرت عنده هذه الأحاديث فسكت فهو متهم على الإسلام، فكيف بمن طعن فيها))؟
وقال إبراهيم الحربي عن هذا الأثر ((حدث به عثمان بن أبي شيبة في المجلس على رؤس الناس، فكم ترى كان في المجلس عشرين ألفاً، فترى لو أن إنساناً قام إلى عثمان فقال: لا تحدث بهذا الحديث، أو أظهر إنكاره تراه كان يخرج من ثَمَّ إلا وقد قُتل))؟
وقال إبراهيم الأصبهاني ((هذا الحديث ثبت، حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة، لا يرده إلا أهل البدع)).
قال سمير: إلى غير ذلك من الأقوال التي رواها الخلال في كتابه "السنة" عن جمع من علماء السنة، وكلهم مجمعون على إثبات أثر مجاهد وتشديد النكير على من ينكره أو يضعفه، بل حتى على من يسكت عليه ولا يثبته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ((فقد حدَّث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه)). انظر المجموع [4/ 374].
وقد فصلت القول في هذه المسألة في الكتاب الآخر ورددت على من ينكر هذا الأثر من الباحثين، والله الهادي إلى سواء السبيل.
الخاتمة
وبعد، فهذا ما أردت التنبيه إليه في هذا المقام، وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يهدينا وسائر المسلمين إلى الحق وأن يجنبنا الزيغ والضلال والشك، وأن يغفر لنا جميعاً ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا وأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، إنه سميع مجيب،
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب:
سمير بن خليل المالكي الحسني المكي
مكة المكرمة 12/ 1 / 1425هـ
¥