الجواب: وهذا الكلام يجاب عليه بنفس الكلام السابق.ثم إن القراء في اختيارهم كانوا يجنحون إلي ما تواتر عندهم وأجمع عليه أكثر من أقرؤوهم .. قال الإمام نافع:" قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شك به واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة. وقرأ الكسائي على حمزة وغيره، فاختار من قراءة غيره نحوا من ثلاثمائة حرف، وكذا أبو عمرو على ابن كثير، وخالفه في نحو ثلاثة آلاف حرف اختارها من قراءة غيره."ا. هـ
5 ـ من الأدلة على عدم تواتر القراءات في زمنه صلى الله عليه وسلم القصة المشهورة في مخاصمة عمر مع هشام بن حكيم رضي الله عنهما، ووجه الاستدلال واضح منها.
فهذه بعض المعالم حول هذه المسألة، ووراء ذلك أمر أحق بالتحقيق وهو – فيما يظهر لي – سبب الإشكال ومنبعه وهو: تنزيل المصطلحات الحادثة وتحكيمها في العلوم الشرعية، وأعني بذلك هنا مصطلح (التواتر) فإنه مصطلح كلامي لم يستعمله السلف المتقدمون لكنه صار أصلا لا يكاد يخلو منه كتاب في مصطلح الحديث، وما يتبع ذلك من إفادة المتواتر والآحاد والتفريق بين العلم النظري والضروري .. إلخ."ا. هـ
الجواب:
هذه القصة وغيرها مما جاءت عن الصحابة في إنكار قراءة بعض الصحابة علي بعض ليست فيها دلالة علي ما تقول حيث لا يلزم بمجرد نزول الآيات أن تتواتر في الحين عند جميع الصحابة في وقت واحد،ثم إن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان يقرئ الصحابة علي حسب لهجاتهم وبما يستطيعون قال "صاحب المنتقي في شرح الموطأ معلقا علي الحديث ـ أي حديث هشام
:" ... أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ تَيَسُّرًا عَلَى مَنْ أَرَادَ قِرَاءَتَهُ لِيَقْرَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَبِمَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى طَبْعِهِ وَأَقْرَبُ إِلَى
لُغَتِهِ لِمَا يَلْحَقُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِذَلِكَ الْمَأْلُوفِ مِنْ الْعَادَةِ فِي النُّطْقِ وَنَحْنُ الْيَوْمَ مَعَ عُجْمَةِ أَلْسِنَتِنَا وَبُعْدِنَا عَنْ فَصَاحَةِ الْعَرَبِ أَحْوَجُ إِلَى."1/ 480
وقال ابن حجر في شرح نفس الحديث:" قَوْله: (فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا)
هَذَا قَالَهُ عُمَر اِسْتِدْلَالًا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ تَخْطِئَة هِشَام، وَإِنَّمَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ لِرُسُوخِ قَدَمه فِي الْإِسْلَام وَسَابِقَته، بِخِلَافِ هِشَام فَإِنَّهُ كَانَ قَرِيب الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ فَخَشِيَ عُمَر مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُون
أَتْقَنَ الْقِرَاءَة، بِخِلَافِ نَفْسه فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَتْقَنَ مَا سَمِعَ، وَكَانَ سَبَب اِخْتِلَاف قِرَاءَتهمَا أَنَّ عُمَر حَفِظَ هَذِهِ السُّورَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيمًا ثُمَّ لَمْ يَسْمَع مَا نَزَلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا حَفِظَهُ وَشَاهَدَهُ، وَلِأَنَّ هِشَامًا مِنْ مُسْلِمَة الْفَتْح فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ عَلَى مَا
نَزَلَ أَخِيرًا فَنَشَأَ اِخْتِلَافهمَا مِنْ ذَلِكَ، وَمُبَادَرَة عُمَر لِلْإِنْكَارِ مَحْمُولَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ حَدِيث " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف " إِلَّا فِي هَذِهِ الْوَقْعَة .. "14/ 198
هذا كلام واضح لا يحتاج لبيان في سبب تنازع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في قضية اختلافهم.وانظر إلي قوله:" وَمُبَادَرَة عُمَر لِلْإِنْكَارِ مَحْمُولَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ حَدِيث " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف " إِلَّا فِي هَذِهِ الْوَقْعَة" وقس عليه سائر الاختلافات.
وكما أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قرئ كلا بحسبه، وقد فعل القراء العشر كذلك، فالواحد منهم قرأ عدة ختمات علي شيخه، وبكثير من الأوجه، ولكنه عند التصدر للإقراء كان يقرئ كل طالب بحسب قدرته، فهذا بالسكت وهذا بالقصر وهذا بالمد ... وهكذا فكل هذه الأوجه متواترة ومستفاضة.
قالوا: كيف تقولون بتواتر القراءات رغم أن الأسانيد كلها منصبة عند ابن الجزري؟؟
¥