[المنهج الصحيح فى فهم صفات الله تعالى]
ـ[تلميذ الازهر]ــــــــ[22 - 03 - 04, 08:20 م]ـ
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد ورد سؤال من مسلم بريطاني، يستشكل فيه التوفيق بين الإيمان بحديث النزول الإلهي كل آخر ليلة حتى يطلع الفجر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له) [متفق عليه]، وكون الزمن لا يخلو من ثلث أخير من الليل في كل لحظة في العالم، ويحسن أن نجيب على هذا السؤال بجواب عام، يحصل به إيضاح المنهج الصحيح في تلقي وفهم نصوص صفات الله تعالى في الكتاب والسنة.
فنقول وبالله تعالى التوفيق: يجب أن نقدم خمس حقائق مهمة في هذا الباب العظيم:
الحقيقة الأولى:
أن الله تعالى أمرنا أن نؤمن بما أنزله في كتابه في القرآن، وبما أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم في السنة، حتى لو لم تدركه عقولنا القاصرة، قال تعالى {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}، و قال تعالى {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب}، وهذا هو سبب تسمية اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانا، لان كلمة الإيمان تشتمل على بعد غيبي يصدق به المصدق، وهو لا يشاهده بعينه، فلم يطلق عليه " تصديق " في الكتاب والسنة لهذا السبب، لان المطلوب أن يسلم المؤمن بما جاء به الرسول حتى لو كان غيبا مغيبا.
الحقيقة الثانية:
أنه يجب الإيمان بصفات الله تعالى الواردة في القرآن والسنة بلا تحريف لمعانيها، أو تعطيل لما تدل عليه من أنها صفات الله تعالى الكاملة، ولا إدعاء المعرفة بكيفياتها، ولا تمثيل بينها وبين صفات المخلوق، وعلى هذا الأصل العظيم مضى الصحابة الكرام، ومن تبعهم من أهل الإسلام، الذين ساروا على طريق الصحابة وهم أهل السنة والجماعة.
الحقيقة الثالثة:
أن الله تعالى موصوف بصفات الكمال المطلق، لا يتطرق إليه نقص بأي وجه من الوجوه، واعتقاد النقص في صفاته كما فعلت اليهود والنصارى بعد تحريفهم لما جاءت به أنبياؤهم عليهم السلام، هو شرك وكفر به سبحانه.
الحقيقة الرابعة:
أننا مع إيماننا بكل صفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، وان اتصاف الله تعالى بها هو على الحقيقة، غير أننا نجهل كيفيتها، لان عقولنا القاصرة عاجزة عن ذلك، ولهذا قال تعالى {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}، أي أن علمه سبحانه محيط بالإنسان وبكل خلقه، غير أن الإنسان لا يمكنه أن يحيط علما بالله تعالى.
ومن الأمثلة التي توضح هذه الحقيقة أننا نؤمن بالأحلام والرؤى التي نراها في منامنا، غير أننا عاجزون تماما عن معرفة كيفيتها، ونؤمن بوجود الروح في أجسادنا مع أننا عاجزون تماما عن معرفة كيفيتها، ونؤمن بوجود الجن كذلك، وأنهم يأكلون ويشربون ويتناكحون ويؤمنون ويكفرون، كما ذكر الله تعالى ذلك في القرآن، ونعجز عن معرفة كيفية أداءهم لعملياتهم العضوية عجزا تاما، فإذن يمكن أن ينفصل الإيمان بوجود الشيء وأنه حقيقة قائمة، عن الإحاطة بكيفيته.
ولله المثل الأعلى، فالله تعالى نؤمن بذاته ولكننا نجهل كيفيتها، ونؤمن باتصاف الذات الإلهية بصفاتها العليا، مثل السمع والبصر والعلم، ولكننا نجهل تماما كيفية اتصاف الذات الإلهية بتلك الصفات، مع أننا نجزم أن ذلك الاتصاف، يختلف تماما عن اتصاف ذواتنا بصفاتها، مع أن الأسماء متحدة متشابهة، فنحن أيضا لدينا ذوات تسمع وتبصر وتعلم، لكن الحقائق مختلفة تماما، فالله تعالى لا يماثل خلقه، ولايمكن معرفة كيفية صفاته سبحانه.
¥