تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن فهم هذه الحقائق الشريفة والقواعد الجليلة النافعة حصل له من العلم والمعرفة والتحقيق والتوحيد والايمان وانجاب عنه من الشبه والضلال والحيرة ما يصير به فى هذا الباب من افضل الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ومن سادة أهل العلم والايمان وتبين له أن القول فى بعض صفات الله كالقول فى سائرها وان القول فى صفاته كالقول فى ذاته وان من أثبت صفة دون صفة مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع مشاركة أحدهما الاخرى فيما به نفاها كان متناقضا

فمن نفى النزول والاستواء أو الرضى والغضب أو العلم والقدرة أو اسم العليم أو القدير أو اسم الموجود فرارا بزعمه من تشبيه وتركيب وتجسيم فانه يلزمه فيما أثبته نظير ما الزمه لغيره فيما نفاه هو واثبت المثبت

فكل ما يستدل به على نفى النزول والإستواء والرضى والغضب يمكن منازعة أن يستدل بنظيره على نفى الارادة والسمع والبصر والقدرة والعلم وكل ما يستدل به على نفى القدرة والعلم والسمع والبصر يمكن منازعه أن يستدل بنظيره على نفى العليم والقدير والسميع والبصير وكل ما يستدل به على نفى هذه الاسماء يمكن منازعه أن يستدل به على نفى الموجود والواجب

ومن المعلوم بالضرورة أنه لابد من موجود قديم واجب بنفسه يمتنع عليه العدم فان الموجود اما ممكن ومحدث واما واجب وقديم والممكن المحدث لا يوجد الا بواجب قديم فاذا كان ما يستدل به على نفى الصفات الثابتة يستلزم نفى الموجود الواجب القديم ونفى ذلك يستلزم نفى الموجود مطلقا علم أن من عطل شيئا من الصفات الثابتة بمثل هذا الدليل كان قوله مستلزما تعطيل الموجود المشهود

ومثال ذلك أنه اذا قال النزول والاستواء ونحو ذلك من صفات الاجسام فانه لا يعقل النزول والاستواء الا لجسم مركب والله سبحانه منزه عن هذه اللوازم فيلزم تنزيهه عن الملزوم أو قال هذه حادثة والحوادث لا تقوم الا بجسم مركب وكذلك اذا قال الرضا والغضب والفرح والمحبة ونحو ذلك هو من صفات الاجسام

فانه يقال له وكذلك الارادة والسمع والبصر والعلم والقدرة من صفات الاجسام فانا كما لا نعقل ما ينزل ويستوى ويغضب ويرضى الا جسما لم نعقل ما يسمع ويبصر ويريد ويعلم ويقدر الا جسما

فاذا قيل سمعه ليس كسمعنا وبصره ليس كبصرنا وارادته ليست كارادتنا وكذلك علمه وقدرته

قيل له وكذلك رضاه ليس كرضانا وغضبه ليس كغضبنا وفرحه ليس كفرحنا ونزوله واستواؤه ليس كنزولنا واستوائنا

فاذا قال لا يعقل فى الشاهد غضب الا غليان دم القلب لطلب الانتقام ولا يعقل نزول الا الانتقال والانتقال يقتضى تفريغ حيز وشغل آخر فلو كان ينزل لم يبق فوق العرش رب

قيل ولا يعقل فى الشاهد ارادة الا ميل القلب الى جلب ما يحتاج اليه وينفعه ويفتقر فيه الى ما سواه ودفع ما يضره والله سبحانه وتعالى كما أخبر عن نفسه المقدسة فى حديثه الالهى يا عبادى انكم لن تبلغوا نفعى فتنفعونى ولن تبلغوا ضرى فتضرونى فهو منزه عن الارادة التى لا يعقل فى الشاهد الا هى

وكذلك السمع لا يعقل فى الشاهد الا بدخول صوت فى الصماخ وذلك لا يكون الا فى أجوف والله سبحانه أحد صمد منزه عن مثل ذلك بل وكذلك البصر والكلام لا يعقل فى الشاهد الا فى محل اجوف والله سبحانه أحد صمد منزه عن ذلك

قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وخلق من السلف الصمد الذى لا جوف له وقال آخرون هو السيد الذى كمل فى سؤدده وكلا القولين حق فان لفظ الصمد فى اللغة يتناول هذا وهذا والصمد فى اللغة السيد والصمد أيضا المصمد والمصمد المصمت وكلاهما معروف فى اللغة

ولهذا قال يحيى بن أبى كثير الملائكة صمد والآدميون جوف وهذا ايضا دليل آخر فانه اذا كانت الملائكة وهم مخلوقون من النور كما ثبت فى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم فاذا كانوا مخلوقين من نور وهم لا يأكلون ولا يشربون بل هم صمد ليسوا جوفا كالانسان وهم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ويصعدون وينزلون كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة وهم مع ذلك لا تماثل صفاتهم وافعالهم صفات الانسان وفعله فالخالق تعالى أعظم مباينة لمخلوقاته من مباينة الملائكة للادميين فان كليهما مخلوق والمخلوق أقرب الى مشابهة المخلوق من المخلوق الى الخالق سبحانه وتعالى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير