تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك روح ابن آدم تسمع وتبصر وتتكلم وتنزل وتصعد كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة والمعقولات الصريحة ومع ذلك فليست صفاتها وافعالها كصفات البدن وأفعاله

فاذا لم يجز أن يقال ان صفات الروح وأفعالها مثل صفات الجسم الذى هو الجسد وهى مقرونة به وهما جميعا الانسان فاذا لم يكن روح الانسان مماثلا للجسم الذى هو بدنه فكيف يجوز أن يجعل الرب تبارك وتعالى وصفاته وأفعاله مثل الجسم وصفاته وأفعاله

فان أراد النافى التزام أصله وقال أنا اقول ليس له كلام يقول به بل

كلامه مخلوق قيل له فيلزمك فى السمع والبصر فان البصريين من المعتزلة يثبتون الادراك فان قال أنا اقول بقول البغداديين منهم فلا أثبت له سمعا ولا بصرا ولا كلاما يقوم به بل اقول كلامه مخلوق من مخلوقاته لأن اثبات ذلك تجسيم وتشبيه بل ولا أثبت له ارادة كما لا يثبتها البغداديون بل اجعلها سلبا او اضافة فأقول معنى كونه مريدا أنه غير مغلوب ولا مكره أو بمعنى كونه خالقا وآمرا قيل له فيلزمك ذلك فى كونه حيا عالما قادرا فان المعتزلة مطبقة على اثبات أنه حى عالم قادر وقيل له أنت لا تعرف حيا عالما قادرا الا جسما فاذا جعلته حيا عالما قادرا لزمك التجسيم والتشبيه

فان زاد فى التعطيل وقال انا لا أقول بقول المعتزلة بل بقول الجهمية المحضة والباطنية من الفلاسفة والقرامطة فانفى الاسماء مع الصفات ولا اسميه حيا ولا عالما ولا قادرا ولا متكلما الا مجازا بمعنى السلب والاضافة أى هو ليس بجاهل ولا عاجز وجعل غيره عالما قادرا قيل له فيلزمك ذلك فى كونه موجودا واجبا بنفسه قديما فاعلا فان جهما قد قيل أنه كان يثبت كونه فاعلا قادرا لأن الانسان عنده ليس بقادر ولا فاعل فلا تشبيه عنده فى ذلك

واذا وصل الى هذا المقام فلابد له أن يقول بقول طائفة منهم فيقول

أنا لا أصفه بصفة وجود ولا عدم فلا اقول موجود ولا معدوم أو لا موجود ولا غير موجود بل أمسك عن النقيضين فلا أتكلم لا بنفى ولا اثبات

وأما أن يقول انا لا أصفه قط بأمر ثبوتى بل بالسلبى فلا أقول موجود بل أقول ليس بمعدوم

واما أن يقال بل هو معدوم فالقسمة حاصرة فانه اما أن يصفه بأمر ثبوتى فيلزمه ما ألزمه لغيره من التشبيه والتجسيم واما أن يقول لا أصفه بالثبوت بل بسلب العدم فلا أقول موجود بل ليس بمعدوم

واما أن يلتزم التعطيل المحض فيقول ما ثم وجود واجب فان قال بالأول وقال لا اثبت واحدا من النقيضين لا الوجود ولا العدم

قيل هب انك تتكلم بذلك بلسانك ولا تعتقد بقلبك واحدا من الأمرين بل تلتزم الاعراض عن معرفة الله وعبادته وذكره فلا تذكره قط ولا تعبده ولا تدعوه ولا ترجوه ولا تخافه فيكون جحدك له أعظم من جحد ابليس الذى اعترف به فامتناعك من اثبات أحد النقيضين لا يستلزم رفع النقيضين فى نفس الأمر فان النقيضين لا يمكن رفعهما بل فى نفس الأمر لابد أن يكون الشىء أى شىء كان اما موجودا واما معدوما اما أن يكون واما أن لا يكون وليس بين النفى والاثبات واسطة أصلا

ونحن نذكر ما فى نفس الامر سواء جحدته انت او اعترفت به وسواء

ذكرته أو اعرضت عنه فاعراض الانسان عن رؤية الشمس والقمر والكواكب والسماء لا يدفع وجودها ولا يدفع ثبوت أحد النقيضين بل بالضرورة الشمس اما موجودة واما معدومة فاعراض قلبك ولسانك عن ذكر الله كيف يدفع وجوده ويوجب رفع النقيضين فلابد أن يكون اما موجودا واما معدوما فى نفس الأمر

وكذلك من قال انا لا أقول موجود بل أقول ليس بمعدوم فانه يقال سلب أحد النقيضين اثبات للآخر فأنت غيرت العبارة اذ قول القائل ليس بمعدوم يستلزم أن يكون موجودا فاما اذا لم يكن معدوما اما أن يكون موجودا واما أن لا يكون لا موجودا ولا معدوما

وهذا القسم الثالث يوجب رفع النقيضين وهو ما يعلم فساده بالضرورة فوجب أنه اذا لم يكن معدوما ان يكون موجودا

وإن قال بل التزم أنه معدوم قيل له فمن المعلوم بالمشاهدة والعقل وجود موجودات ومن المعلوم أيضا ان منها ما هو حادث بعد ان لم يكن كما نعلم نحن انا حادثون بعد عدمنا وان السحاب حادث والمطر والنبات حادث والدواب حادثة وامثال ذلك من الآيات التى نبه الله تعالى عليها بقوله ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير